الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
أما السنة فتدل على أن محله في هذا الموضع نحره لأن { رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر في الحل } فإن قال فقد قال الله عز وجل في البدن { ثم محلها إلى البيت العتيق } قيل ذلك إذا قدر على أن ينحرها عند البيت العتيق فهو محلها فإن قال فهل خالفك أحد في هدي المحصر ؟ قيل : نعم ، عطاء بن أبي رباح كان يزعم أن { النبي صلى الله عليه وسلم نحر في الحرم } فإن قال فبأي شيء رددت ذلك وخبر عطاء وإن [ ص: 174 ] كان منقطعا شبيه بخبرك عن أهل المغازي ؟ قلت عطاء وغيره يذهبون إلى أن محل الهدي وغيره ممن خالفنا يقول لا يحل المحصر بعدو ولا مرض حتى يبلغ الهدي الحرم فينحر فيه لما وصفت من ذكرهم { أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينحر إلا في الحرم } ، فإن قال فهل من شيء يبين ما قلت ؟ قلت : نعم إذا زعموا وزعمنا أن الحرم منتهى الهدي بكل حال وإن نحر فيه فقد أجزأ عنه والقرآن يدل على أن هدي النبي صلى الله عليه وسلم لم يبلغ الحرم فإن قال : وأين ذلك ؟ قلت قال الله عز وجل { هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله } فإن قال قائل فإن الله عز وجل يقول { حتى يبلغ الهدي محله } قلت الله أعلم بمحله ها هنا يشبه أن يكون إذا أحصر نحره حيث أحصر كما وصفت ومحله في غير الإحصار الحرم وهو كلام عربي واسع ، وخالفنا بعض الناس فقال : المحصر بالعدو والمرض سواء وعليهما القضاء ولهما الخروج من الإحرام .

وقال : عمرة النبي صلى الله عليه وسلم التي اعتمر بعد حصره قضاء عمرته التي أحصر بها ، ألا ترى أنها تسمى عمرة القضية وعمرة القصاص ؟ فقيل لبعض من قال هذا القول : إن لسان العرب واسع فهي تقول : اقتضيت ما صنع بي واقتصصت ما صنع بي فبلغت ما منعت مما يجب لي وما لا يجب علي أن أبلغه وإن وجب لي ( قال الشافعي ) والذي نذهب إليه من هذا أنها إنما سميت عمرة القصاص وعمرة القضية أن الله عز وجل اقتص لرسوله صلى الله عليه وسلم فدخل عليهم كما منعوه لا على أن ذلك وجب عليه قال : أفتذكر في ذلك شيئا ؟ فقلت : نعم ، أخبرنا سفيان عن مجاهد .

( قال الشافعي ) فقال فهذا قول رجل لا يلزمني قوله ، قلت ما زعمنا أن قوله يلزمك لولا دلالة القرآن وأخبار أهل المغازي وما تدل عليه السنة فقال قد سمعت ما ذكرت من السنة ولم تسند فيه حديثا بينا ، فقلت ولا أنت أسندت فيه حديثا في أن عمرة النبي صلى الله عليه وسلم يقال لها عمرة القضية وإنما عندك فيها أخبارهم فكان لي دفع ما علمت ولم تقم فيه حديثا مسندا مما يثبت على الانفراد ولم يكن إذا كان معروفا متواطئا عند بعض أهل العلم بالمغازي ، فإن لم يكن لي دفعك عنه بهذا ، لم يكن لك دفعي عن أنه تخلف بعض من شهد الحديبية من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن عمرة القضية فقال ما يقنعني هذا الجواب فادللني على الدلالة من القرآن قلت قال الله عز وجل { الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } قال فمن حجتي أن الله عز وجل قال قصاص والقصاص إنما يكون بواجب .

( قال الشافعي ) فقلت له إن القصاص وإن كان يجب لمن له القصاص فليس القصاص واجبا عليه أن يقتص قال وما دل على ذلك ؟ قلت قال الله عز وجل { والجروح قصاص } أفواجب على من جرح أن يقتص ممن جرحه أو مباح له أن يقتص وخير له أن يعفو ؟ قال : له أن يعفو ومباح له أن يقتص وقلت له قال الله عز وجل { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } فلو أن معتديا مشركا اعتدى علينا كان لنا أن نعتدي عليه بمثل ما اعتدى علينا ولم يكن واجبا علينا أن نفعل قال ذلك على ما وصفت فقلت فهذا يدلك على ما وصفت وما قال مجاهد [ ص: 175 ] من أن الله عز وجل أقصه منهم فدخل عليهم في مثل الشهر الذي ردوه فيه وليست فيه دلالة على أن دخوله كان واجبا عليه من جهة قضاء النسك والله أعلم وإنما يدرك الواجب فيه وغير الواجب خبرا والخبر يدل على مثل ما وصفنا من أنه ليس بواجب

التالي السابق


الخدمات العلمية