الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 387 ] ثم قال: وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا . فالمنكر ضد المعروف، والزور الكذب، والكذب يكون في الإخبار، والمنكر هو المكروه المذموم المعيب، وذلك يكون في الأفعال والإنشاءات، كالأمر والنهي وصيغ العقود، كقوله: أنت علي كظهر أمي، تضمنت إنشاء وإخبارا، فكانت منكرا من القول باعتبار ما فيها من الإنشاء، وكانت زورا باعتبار ما فيها من الإخبار، فإن كونه يجعل زوجته الحلال التي ما ولدته مثل أمه الحرام التي ولدته أمر منكر مكروه بغيض، تنفر عنه القلوب لما فيه من القبح، وهو زور أيضا لما فيه من الكذب. فدل القرآن على أن المنكر من القول والزور لا يقع به طلاق، وإن قصد به الإنسان الطلاق، كما كانوا يقصدون الطلاق بهذا القول. ودل القرآن على أنه ليس كل لفظ يقصد به الإنسان الطلاق يقع به الطلاق، بل لا بد أن يكون ذلك القول ليس منكرا من القول ولا زورا.

فكان في هذا دلالة على مذهب الجمهور من السلف والخلف أن صيغة الحرام لا يقع بها طلاق إذا قال لامرأته: أنت علي حرام، فإن هذا هو مثل قوله: أنت علي كظهر أمي، لكنه هنا صرح بالحكم الذي هو مقصود التشبيه، وهو منكر من القول، حيث جعل الحلال حراما، وهو زور أيضا، فإن الحلال لا يكون حراما. وقول من قال: إنه طلاق هو شبيه بقولهم في الجاهلية: إن الظهار طلاق.

بل دل هذا على أن الحرام لا يكون طلاقا ولو قصد به الطلاق، كما أن الظهار لا يكون طلاقا وإن قصد به الطلاق. وقد نص على ذلك أحمد وغيره. [ ص: 388 ]

وللناس هنا ثلاثة أقوال :

فذهب بعض المالكية إلى أن الظهار إذا قصد به الطلاق كان طلاقا كالحرام، وهذا قياس قولهم، لكنه هو قولهم في الجاهلية، وهذا رجوع إلى قول أهل الجاهلية.

وذهب طائفة من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وأحمد إلى أنه إذا قصد بالحرام الطلاق كان طلاقا، خلاف الظهار. وهؤلاء أرادوا أن يجمعوا بين نص الظهار وبين ما اعتقدوه قياسا في الكنايات، وأنه أي لفظ قصد به الطلاق وقع، فتناقضوا; فإن لفظ الظهار إذا قصد به الطلاق لم يقع، ولا فرق بينه وبين لفظ الحرام.

فإن قالوا: اللفظ إذا كان صريحا في حكم، ووجد نفاذا فيه، لم يجز جعله كناية في غيره.

قيل لهم: فهذا يدل على أنه ليس كل ما احتمله اللفظ كان كناية فيه، بل لا بد أن يكون صريحا في حكم آخر، وحينئذ فلم قلتم: إن الحرام ليس بصريح في الظهار كلفظ الظهار؟ وما الفرق بينه وبين لفظ الظهار؟.

وأما أحمد فإن نصوصه المتواترة عنه أنه يجعله صريحا في الظهار، لا يقع به الطلاق ولو نواه به.

التالي السابق


الخدمات العلمية