الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
( الثاني ) : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في ترك الواجب وفعل المحرم واجب . وفي ترك المندوب وفعل المكروه مندوب . قاله ابن عقيل في آخر الإرشاد . وقال غيره أيضا كما في الآداب : فمن القبيح ما يصلح من كل مكلف على وجه دون وجه ، كالرمي بالسهام واتخاذ الحمام والعلاج بالسلاح ، لأن تعاطي ذلك لمعرفة الحرب والتقوي على العدو ، وليرسل على الحمام الكتب والمهمات لحوائج السلطان والمسلمين حسن لا يجوز إنكاره . وإن قصد بذلك الاجتماع على السخف واللهو ومعاشرة ذوي الريب والمعاصي فذلك قبيح يجب إنكاره .

[ ص: 230 ] وقد سئل ابن عقيل رحمه الله ورضي عنه عن حبس الطير لطيب نغمتها ، فقال طيب الله ثراه : سفه وبطر يكفينا أن نقدم على ذبحها للأكل فحسب ، لأن الهواتف من الحمام ربما هتفت نياحة على الطيران وذكر فراخها ، أفيحسن بعاقل أن يعذب حيا ليترنم فيلتذ بنياحته ، فقد منع من هذا أصحابنا وسموه سفها . انتهى .

وأقول : لا يخفى على عاقل أن كثرة ترنم الطيور على تذكرها إلفها من الأماكن الشاسعة ، والأغذية الناصعة ، والقرين المصافي ، والماء العذب الصافي ، والإطلاق الرحيب ، ومخالطة الحبيب ، مع الوكر المشتهى لديها ، والأغصان والعكوف عليها .

ويعجبني من ذلك أن أعرابيا حبس في قلعة جلق المحروسة فضاق به الخناق ، وبلغت منه الروح التراق ، فدخلت إلي عند المحابيس ، وكان في الحبس اثنان من الديرة فقال لي الأعرابي يا سيدي أنا أقول قاتل الله حابس الطير في الأقفاص فإنه لشجوه وغرمه يترنم والحابس له بشجوه وعذابه وبلباله يتنعم ، ولو عرف ما في جوفه من اللهيب الناشئ عن فراق الإلف الحبيب والمكان الرحيب ، لكان إلى البكا والوصب ، أقرب منه إلى التنعم والطرب ، ولكن هان على الخلي ، ما يلقى الملي .

فقلت له ومن أين عرفت أنت هذا ؟ فقال قسته على نفسي ، وشبهت حبسه بحبسي ، بجامع أن كلا منا نشأ في الفلاة الواسعة ، والأقطار الشاسعة . فانظر حال هذا الأعرابي مع جفائه وغباوته ، وعدم مخالطته لذوي العلوم وقلة درايته ، كيف أدرك هذا المدرك ، تجده قد أصاب في قياسه وأدرك . والله تعالى أعلم . .

التالي السابق


الخدمات العلمية