الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الفصل الثاني : في حكمها .

                                                                                                                في الجواهر : قال القاضيان ابن القصار ، وعبد الوهاب : المذهب كله على وجوب الإزالة ، وإنما الخلاف في إعادة من صلى بها بناء على كونها شرطا ، في [ ص: 194 ] الصلاة أم لا ، وقال المازري : وقع الاتفاق على تأثيم المصلي بها ، ومعنى قول بعض العلماء إنها سنة : أن حكمها علم بالسنة .

                                                                                                                وقال القاضي أيضا في شرح الرسالة ، وجماعة : هي سنة ، والخلاف في إعادة من صلى بها مبني على الخلاف فيمن ترك السنن متعمدا .

                                                                                                                واللخمي وغيره من المتأخرين المغاربة يقولون : في المذهب ثلاثة أقوال : الوجوب ، وهو رواية ابن وهب لإلزامه الإعادة بعد الوقت ناسيا ، أو عامدا .

                                                                                                                والاستحباب لأشهب لاستحبابه الإعادة في الوقت عامدا ، أو ناسيا ، والوجوب مع الذكر والقدرة دون النسيان والعجز ، وهو ظاهر الكتاب لإيجابه الإعادة على غير المعذور بعد الوقت ، وأمر المعذور بالإعادة في الوقت .

                                                                                                                فروع أربعة من الطراز :

                                                                                                                الأول : إذا ذكر النجاسة وهو في الصلاة قطع صلاته ، أمكنه طرحه أو لم يمكن على ظاهر الكتاب ، وقيل : لا يقطع إذا طرح ما عليه لتوه لأنه صلى الله عليه وسلم خلع نعله ، ولم يعد ، وقيل : لا يقطع في الحالين إما لأن إزالة النجاسة أخف ، أو قياسا على الرعاف ، والفرق أن التحرز من النجاسة ممكن بخلاف الرعاف .

                                                                                                                زاد ابن الجلاب في هذا الفرع إن لم يمكنه طرحه قال عبد الملك يمضي على صلاته ، ويعيدها في الوقت ، فإن لم يذكر ذلك حتى فرغ أعاد في الوقت استحبابا ، فإن تعمد خروج الوقت فلا إعادة عليه عند ابن القاسم ، وقال محمد وعبد الملك : يعيد بعد الوقت .

                                                                                                                فرع : مرتب : إذا قلنا يقطع ، وقد بقي من الوقت ما لا يسع بعد إزالة النجاسة ركعة ، فيتخرج على الخلاف فيمن إذا تشاغل برفع الماء من البئر حتى خرج الوقت ، وهذا أولى بالتمادي لأن الصلاة بالنجاسة أخف من الصلاة بالحدث لوجوب رفعه إجماعا .

                                                                                                                [ ص: 195 ] الثاني : إن قلنا بالقطع ، فنسي بعد رؤيتها ، وأتم الصلاة قال ابن حبيب : يعيد وإن ذهب الوقت لبطلان صلاته برؤيته ، وهذا ظاهر على القول بأنه يقطع ، وإن قلنا بأنه ينزع ، ولا يقطع ، فالصلاة صحيحة .

                                                                                                                ولو كان ذاهبا قبل الصلاة ، ونسيها : ففي الجواهر : قال القاضي أبو بكر : عن بعض العلماء إن عليه الإعادة ، وإنه مفرط ، واستضعفه بناء على اختصاص الوجوب بوقت الصلاة .

                                                                                                                الثالث : إذا كانت النجاسة تحت قدميه ، فرآها ، فتحول عنها خرجت على الخلاف في الثوب إذا أمكنه طرحه ، وإن كانت حول رجليه ، فلا شيء عليه .

                                                                                                                الرابع : قال أبو العباس الإيباني : إذا كان أسفل نعله نجاسة ، فنزعه ، ووقف عليه جاز كظهر حصير .

                                                                                                                الخامس : من البيان قال مالك : إذا علم في ثوب إمامه نجاسة إن أمكنه إعلامه ، فليفعل ، وإن لم يمكنه ، وصلى أعاد في الوقت قال يحيى بن يحيى : الإعادة في الوقت ، وبعده أحب إلي ، وإنما خصصها مالك بالوقت مراعاة لقول من يقول : كل مصل يصلي لنفسه ، وكذلك من علم أن الإمام غير متوضئ ، فليعلمه بذلك ، وليستأنف عند سحنون ، والذي يأتي على مذهب ابن القاسم : أن الكلام لإصلاح الصلاة لا يبطل البناء ، وعدم الاستئناف ، وقيل في المتلبس إن أمكنه إعلامه بقراءة آية المدثر ، أو آية الوضوء فعل ، وتمادى على صلاته مع مستخلف الإمام ، وهو قول الأوزاعي ، وقال يحيى بن يحيى وسحنون : له أن يخرق الصفوف ، ويعلمه ، ولا يستدبر القبلة .

                                                                                                                وبقية أحكام النجاسة تأتي في شروط الصلاة .

                                                                                                                حجة الوجوب قوله تعالى : ( وثيابك فطهر ) . وقوله عليه السلام في الصحيح في صاحبي القبر : إن هذين ليعذبان ، وما يعذبان بكبير كان أحدهما [ ص: 196 ] يمشي بالنميمة ، والآخر لا يستبرئ من البول . ومن سنن الدارقطني عنه عليه السلام : استبرئوا من البول ، فإن عامة عذاب القبر منه . ولأن البول تتعلق به طهارة حدث ، وطهارة خبث ، والأولى واجبة إجماعا ، فيكون الآخر كذلك عملا باتحاد السبب .

                                                                                                                حجة الندب : ما في الصحيح أنه عليه السلام خلع نعله ، فخلع الصحابة رضوان الله عليهم نعالهم ، فلما سلم قال : ما بالكم خلعتم نعالكم ؟ قالوا : رأيناك خلعت ، فخلعنا قال عليه السلام : إن جبريل أخبرني أن فيها قذرا ، ويرى أذى ، ولم يعد صلاته ، ولا أبطل ما مضى منها .

                                                                                                                وفي الموطأ : أنه عليه السلام كان يصلي ، وهو يحمل أمامة بنت زينب ابنته رضي الله عنها ، فإذا سجد وضعها ، وإذا قام حملها ، والغالب على ثياب الصبيان النجاسة .

                                                                                                                وقد ألقت قريش على ظهره عليه السلام سلى جزور بدمها ، ولم يقطع صلاته ، ولا نقل أنه أعادها .

                                                                                                                ولما تعارضت المآخذ كان النسيان مسقطا للوجوب لضعف مأخذه على المشهور .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية