الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
المسألة الرابعة

[ قراءة البسملة ]

اختلفوا في قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في افتتاح القراءة في الصلاة ، فمنع ذلك مالك في الصلاة المكتوبة جهرا كانت أو سرا ، لا في استفتاح أم القرآن ، ولا في غيرها من السور ، وأجاز ذلك في النافلة .

وقال أبو حنيفة ، والثوري ، وأحمد : يقرؤها مع أم القرآن في كل ركعة سرا ، وقال الشافعي : يقرؤها ولا بد في الجهر جهرا ، وفي السر سرا ، وهي عنده آية من فاتحة الكتاب ، وبه قال أحمد ، وأبو ثور ، وأبو عبيد .

واختلف قول الشافعي هل هي آية من كل سورة ؟ أم إنما هي آية من سورة النمل فقط ، ومن فاتحة الكتاب ؟ فروي عنه القولان جميعا .

وسبب الخلاف في هذا آيل إلى شيئين : أحدهما : اختلاف الآثار في هذا الباب . والثاني : اختلافهم : هل بسم الله الرحمن الرحيم آية من فاتحة الكتاب أم لا ؟ فأما الآثار التي احتج بها من أسقط ذلك ، فمنها حديث ابن مغفل قال " سمعني أبي وأنا أقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال : يا بني إياك ، والحدث ، فإني صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر ، وعمر ، فلم أسمع رجلا منهم يقرؤها " قال أبو عمر بن عبد البر : ابن مغفل رجل مجهول .

ومنها ما رواه مالك من حديث أنس أنه قال : " قمت وراء أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - فكلهم كان لا يقرأ بسم الله إذا افتتحوا الصلاة " قال أبو عمر : وفي بعض الروايات أنه قال : " خلف النبي صلى الله عليه وسلم فكان لا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم " فقال أبو عمر : إلا أن أهل الحديث قالوا في حديث أنس [ ص: 107 ] هذا : إن النقل فيه مضطرب اضطرابا لا تقوم به حجة ، وذلك أنه مرة روي عنه مرفوعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ومرة لم يرفع ، ومنهم من يذكر عثمان ومن لا يذكره ، ومنهم من يقول : فكانوا يقرءون بسم الله الرحمن الرحيم ، ومنهم من يقول : فكانوا لا يقرءون بسم الله الرحمن الرحيم ، ومنهم من يقول : فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم

وأما الأحاديث المعارضة لهذا ، فمنها حديث نعيم بن عبد الله المجمر قال : صليت خلف أبي هريرة ، فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم قبل أم القرآن ، وقبل السورة وكبر في الخفض والرفع وقال : أنا أشبهكم بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومنها حديث ابن عباس " أن النبي - عليه الصلاة والسلام - كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم " ومنها حديث أم سلمة أنها قالت : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ ببسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين " فاختلاف هذه الآثار أحد ما أوجب اختلافهم في قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة .

والسبب الثاني كما قلنا هو : هل بسم الله الرحمن الرحيم آية من أم الكتاب وحدها أو من كل سورة أم ليست آية لا من أم الكتاب ولا من كل سورة ؟ فمن رأى أنها آية من أم الكتاب أوجب قراءتها بوجوب قراءة أم الكتاب عنده في الصلاة ، ومن رأى أنها آية من أول كل سورة وجب عنده أن يقرأها مع السورة ، وهذه المسألة قد كثر الاختلاف فيها ، والمسألة محتملة ، ولكن من أعجب ما وقع في هذه المسألة أنهم يقولون : ربما اختلف في هل بسم الله الرحمن الرحيم آية من القرآن في غير سورة النمل ؟ أم إنما هي آية من القرآن في سورة النمل فقط ؟ ويحكون على جهة الرد على الشافعي أنها لو كانت من القرآن في غير سورة النمل لبينه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأن القرآن نقل تواترا ، هذا الذي قاله القاضي في الرد على الشافعي وظن أنه قاطع ، وأما أبو حامد فانتصر لهذا بأن قال : إنه أيضا لو كانت من غير القرآن لوجب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبين ذلك ، وهذا كله تخبط وشيء غير مفهوم ، فإنه كيف يجوز في الآية الواحدة بعينها أن يقال فيها : إنها من القرآن في موضع ، وإنها ليست من القرآن في موضع آخر ، بل يقال : إن بسم الله الرحمن الرحيم قد ثبت أنها من القرآن حيثما ذكرت ، وأنها آية من سورة النمل ، وهل هي آية من سورة أم القرآن ومن كل سورة يستفتح بها ، مختلف فيه ، والمسألة محتملة ، وذلك أنها في سائر السور فاتحة ، وهي جزء من سورة النمل ، فتأمل هذا فإنه بين ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية