الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ويسن خطبتان ) خفيفتان وتكره زيادتهما على قدر سورة من طوال المفصل ( بجلسة بينهما ) بقدر ثلاث آيات على المذهب وتاركها مسيء على الأصح كتركه قراءة قدر ثلاث آيات ، ويجهر بالثانية لا كالأولى [ ص: 149 ] ويبدأ بالتعوذ سرا . ويندب ذكر الخلفاء الراشدين والعمين لا الدعاء للسلطان وجوزه القهستاني ، ويكره تحريما وصفه بما ليس فيه ، ويكره تكلمه فيها إلا لأمر بمعروف لأنه منها ، [ ص: 150 ] ومن السنة جلوسه في مخدعه عن يمين المنبر ولبس السواد وترك السلام من خروجه إلى دخوله في الصلاة . وقال الشافعي : إذا استوى على المنبر سلم مجتبى ( وطهارة وستر ) عورة ( قائما ) وهل هي قائمة مقام ركعتين ؟ الأصح لا ، ذكره الزيلعي كشطرها في الثواب ; ولو خطب جنبا ثم اغتسل وصلى [ ص: 151 ] جاز ، ولو فصل بأجنبي فإن طال بأن رجع لبيته فتغدى أو جامع واغتسل استقبل خلاصة : أي لزوما لبطلان الخطبة سراج ، لكن سيجيء أنه لا يشترط اتحاد الإمام والخطيب .

التالي السابق


( قوله : ويسن خطبتان ) لا ينافي ما مر من أن الخطبة شرط لأن المسنون هو تكرارها مرتين ، والشرط إحداهما ( قوله على المذهب ) وقال الطحاوي بقدر ما يمس موضع جلوسه من المنبر بحر ( قوله : وتكره زيادتهما إلخ ) عبارة القهستاني وزيادة التطويل مكروهة ( قوله كتركه قراءة قدر ثلاث آيات ) أي يكره الاقتصار في الخطبة على نحو تسبيحة وتهليلة مما لا يكون ذكرا طويلا قدر ثلاث آيات أو قدر التشهد الواجب وليس المراد أن ترك قراءة ثلاث آيات مكروه لأن المصرح به في الملتقى والمواهب ونور الإيضاح وغيرها أن من السنن قراءة آية ، وقال في الإمداد وفي المحيط : يقرأ في الخطبة سورة من القرآن أو آية فالأخبار قد تواترت { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن في خطبته } " لا تخلو عن سورة أو آية ثم قال : وإذا قرأ سورة تامة يتعوذ ثم يسمي قبلها ، وإن قرأ آية قيل يتعوذ ثم يسمي وأكثرهم قالوا يتعوذ ولا يسمي والاختلاف في القراءة في غير الخطبة كذلك ا هـ ملخصا ، وبه علم أن الاقتصار على الآية غير مكروه فتدبر . مطلب في قول الخطيب قال الله تعالى - أعوذ بالله من الشيطان الرجيم - [ تنبيه ]

جرت العادة إذا قرأ الخطيب الآية أن يقول قال الله تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { من عمل صالحا } - إلخ وفيه إيهام أن أعوذ بالله من مقول الله - تعالى ، وبعضهم يتباعد عن ذلك فيقول قال الله تعالى [ ص: 149 ] كلاما أتلوه بعد قولي أعوذ بالله إلخ ولكن في حصول سنة الاستعاذة بذلك نظر لأن المطلوب إنشاء الاستعاذة ولم تبق كذلك بل صارت محكية مقصودا بها لفظها وذلك ينافي الإنشاء كما لا يخفى . أن لا يقول قال الله تعالى ولشيخ مشايخنا العلامة إسماعيل الجراحي شارح البخاري رسالة في هذه المسألة لا يحضرني الآن ما قاله فيها فراجعها ( قوله ويبدأ ) أي قبل الخطبة الأولى بالتعوذ سرا ثم بحمد الله تعالى والثناء عليه والشهادتين والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والعظة والتذكير والقراءة قال في التجنيس والثانية كالأولى إلا أنه يدعو للمسلمين مكان الوعظ قال في البحر وظاهره أنه يسن قراءة آية فيها كالأولى . ا هـ . [ تنبيه ]

ما يفعله بعض الخطباء من تحويل الوجه جهة اليمين وجهة اليسار عند الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة الثانية لم أر من ذكره والظاهر أنه بدعة ينبغي تركه لئلا يتوهم أنه سنة .

ثم رأيت في منهاج النووي

قال : ولا يلتفت يمينا وشمالا في شيء منها قال ابن حجر في شرحه لأن ذلك بدعة ا هـ ويؤخذ ذلك عندنا من قول البدائع ومن السنة أن يستقبل الناس بوجهه ويستدبر القبلة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب هكذا ا هـ ( قوله والعمين ) هما حمزة والعباس رضي الله عنهما . [ لطيفة ]

سمعت من بعض شيوخي أنه كان يقول : إن الخطباء يلحنون هنا مرتين حيث يقولون وارض عن عمي نبيك الحمزة والعباس بإدخال أل على حمزة وإبقاء منع صرفه مع أنه لم يسمع دخول أل عليه ، وإذا دخلت يصرف ( قوله وجوزه القهستاني إلخ ) عبارته ثم يدعو لسلطان الزمان بالعدل والإحسان متجنبا في مدحه عما قالوا إنه كفر وخسران كما في الترغيب وغيره ا هـ وأشار الشارح بقوله وجوز إلى حمل قوله ثم يدعو إلخ على الجواز لا الندب لأنه حكم شرعي لا بد له من دليل .

وقد قال في البحر : إنه لا يستحب لما روي عن عطاء حين سئل عن ذلك فقال : إنه محدث وإنما كانت الخطبة تذكيرا . ا هـ . ولا ينافي ذلك ما قدمه الشارح في باب الإمامة من وجوب الدعاء له بالصلاح لأن الكلام في نفي استحبابه في خصوص الخطبة بل لا مانع من استحبابه فيها كما يدعو لعموم المسلمين فإن في صلاحه صلاح العالم . وما في البحر من أنه محدث لا ينافيه فإن سلطان هذا الزمان أحوج إلى الدعاء له ولأمرائه بالصلاح والنصر على الأعداء . وقد تكون البدعة واجبة أو مندوبة على أنه ثبت أن أبا موسى الأشعري وهو أمير الكوفة كان يدعو لعمر قبل الصديق فأنكر عليه تقديم عمر فشكا إليه فاستحضر المنكر فقال إنما أنكرت تقديمك على أبي بكر فبكى واستغفره والصحابة حينئذ متوفرون لا يسكتون على بدعة إلا إذا شهدت لها قواعد الشرع ولم ينكر أحد منهم الدعاء بل التقديم فقط ، وأيضا فإن الدعاء للسلطان على المنابر قد صار الآن من شعار السلطنة فمن تركه يخشى عليه ; ولذا قال بعض العلماء : لو قيل إن الدعاء له واجب لما في تركه من الفتنة غالبا لم يبعد كما قيل به في قيام الناس بعضهم لبعض . والظاهر أن منع المتقدمين مبني على ما كان في زمانهم من المجازفة في وصفه مثل السلطان العادل الأكرم شاهنشاه الأعظم مالك رقاب الأمم . ففي كتاب الردة من التتارخانية : سأل الصفار : هل يجوز ذلك ؟ فقال : لا لأن بعض ألفاظه كفر ، وبعضها كذب وقال أبو منصور : من قال للسلطان الذي [ ص: 150 ] بعض أفعاله ظلم عادل فهو كافر ، وأما شاهنشاه فهو من خصائص الله تعالى بدون وصف الأعظم لا يجوز وصف العباد به وأما مالك رقاب الأمم فهو كذب . ا هـ .

قال في البزازية : فلذا كان أئمة خوارزم يتباعدون عن المحراب يوم العيد والجمعة ا هـ أما ما اعتيد في زماننا من الدعاء للسلاطين العثمانية - أيدهم الله تعالى - كسلطان البرين والبحرين وخادم الحرمين الشريفين فلا مانع منه ، والله تعالى أعلم ( قوله في مخدعه ) هو الخلوة التي تكون في المسجد قال السيوطي في حاشيته على سنن أبي داود . المخدع هو البيت الصغير الذي يكون داخل البيت الكبير وميمه تضم وتفتح . ا هـ . وفي القاموس : المخدع كمنبر الخزانة ا هـ مدني ( قوله عن يمين المنبر ) قيد لمخدعه .

قال في البحر : فإن لم يكن ففي جهته أو ناحيته ، وتكره صلاته في المحراب قبل الخطبة ( قوله : ولبس السواد ) اقتداء بالخلفاء وللتوارث في الأعصار والأمصار بحر عن الحاوي القدسي .

قلت : الظاهر أن هذا خاص بالخطيب ، وإلا فالمنصوص أنه يستحب في الجمعة والعيدين لبس أحسن الثياب

وفي شرح الملتقى من فصل اللباس : ويستحب الأبيض ، وكذا الأسود لأنه شعار بني العباس { ودخل عليه الصلاة والسلام مكة وعلى رأسه عمامة سوداء } ا هـ . وفي رواية لابن عدي { كان له عمامة سوداء يلبسها في العيدين ويرخيها خلفه } ( قوله وترك السلام ) ومن الغريب ما في السراج أنه يستحب للإمام إذا صعد المنبر وأقبل على الناس أن يسلم عليهم لأنه استدبرهم في صعوده . ا هـ . بحر .

قلت : وعبارته في الجوهرة ويروى أنه لا بأس به لأنه استدبرهم في صعوده ( قوله وطهارة وستر عورة قائما ) جعل الثلاثة في شرح المنية واجبات مع أنه نفسه صرح في متن الملتقى بسنية الطهارة والقيام كما في كثير من المعتبرات ، وأما ستر العورة فصرح بأنه سنة أيضا في نور الإيضاح والمواهب وصرح في المجمع وغيره بكراهة ترك الثلاثة ولعل معنى سنية الستر مع كونه واجبا خارجها ولو في خلوة على الصحيح إلا لغرض صحيح هو الاعتداد بها وعدم وجوب إعادتها لو انكشفت عورته بهبوب ريح ونحوه وكذا الطهارة من الجنابة واجبة لدخول المسجد ولو بلا خطبة فتصح خطبته وإن أثم له متعمدا ، ويدل على ما قلناه ما في البدائع حيث قال والطهارة سنة عندنا لا شرط حتى إن الإمام إذا خطب جنبا أو محدثا فإنه يعتبر شرطا لجواز الجمعة . ا هـ . وفي الفيض ولو خطب محدثا أو جنبا جاز ويأثم إثم إقامة الخطيب في المسجد ا هـ وبه ظهر أن معنى السنية مقابل الشرط من حيث صحة الخطبة بدونه ، وإن كان في نفسه واجبا كما قلنا : ونظير ذلك عده من واجبات الطواف لأجل إيجاب الدم بتركه مع أنه واجب في جميع مشاهد الحج لكن لا يجب الدم بتركه إلا في الطواف هذا ما ظهر لي فاغتنمه قال في شرح المنية : فإن قيل : من المعلوم يقينا { أنه عليه الصلاة والسلام لم يخطب قط بدون ستر وطهارة } . قلنا : نعم ولكن لكون ذلك دأبه وعادته ، ولا دليل على أنه إنما فعله لخصوص الخطبة ( قوله الأصح لا ) ولذا لا يشترط لها سائر شروط الصلاة كالاستقبال والطهارة وغيرهما ( قوله بل كشطرها في الثواب ) هذا تأويل لما ورد به الأثر من أن الخطبة كشطر الصلاة فإن مقتضاه أنها قامت مقام ركعتين من الظهر كما قامت الجمعة مقام ركعتين منه

[ ص: 151 ] فيشترط لها شروط الصلاة كما هو قول الشافعي ( قوله جاز ) أي ولا يعد الغسل فاصلا لأنه من أعمال الصلاة ولكن الأولى إعادتها كما لو تطوع بعدها أو أفسد الجمعة أو فسدت بتذكر فائتة فيها كما في البحر ( قوله فإن طال ) الظاهر أنه يرجع في الطول إلى نظر المبتلى ط ( قوله لكن سيجيء إلخ ) استدراك على لزوم إعادة الخطبة يعني قد لا تلزم الإعادة بأن يستنيب شخصا قبل أن يرجع لبيته




الخدمات العلمية