الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                قال البخاري :

                                747 780 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، أنا مالك ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن ، أنهما أخبراه ، عن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا أمن الإمام فأمنوا ؛ فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ) .

                                وقال ابن شهاب : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( آمين ) .


                                التالي السابق


                                قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( آمين ) ، هو مما أرسله الزهري في آخر الحديث ، وقد روي عن الزبيدي ، عن الزهري ، بهذا الإسناد ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من قراءة أم القرآن رفع صوته ، فقال : ( آمين ) . خرجه الدارقطني .

                                [ ص: 492 ] وقال : إسناده حسن .

                                كذا قال ، ووصله وهم ، إنما هو مدرج من قول الزهري ، كما رواه مالك .

                                وروى ابن وهب هذا الحديث ، عن مالك ويونس ، عن الزهري ، وزاد فيه بعد قوله : ( إذا أمن الإمام فأمنوا ) : ( فإن الملائكة تؤمن ) ، وذكر باقي الحديث . خرجه البيهقي .

                                وخرجه ابن ماجه بهذه الزيادة - أيضا - من رواية سفيان ، عن الزهري .

                                دل هذا الحديث على أن الإمام والمأمومين يؤمنون جميعا ، وهذا قول جمهور أهل العلم .

                                روي عن أبي بكر وعمر وابن عمر وأبي هريرة .

                                وقال عطاء : لقد كنت أسمع الأئمة يقولون على إثر أم القرآن : آمين ، هم أنفسهم ومن وراءهم ، حتى إن للمسجد للجة .

                                وبهذا قال الثوري وأبو حنيفة والأوزاعي وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد .

                                [ ص: 493 ] وهو رواية المدنيين عن مالك واختيارهم .

                                وروى ابن القاسم ، عن مالك ، أن الإمام لا يؤمن ، إنما يؤمن من خلفه ، وهو اختيار المصريين من أصحابه .

                                وحملوا قوله : ( إذا أمن الإمام فأمنوا ) على أن المراد بتأمين الإمام دعاؤه بقراءة آخر الفاتحة ، بدليل رواية أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا : آمين ) وسيأتي فيما بعد إن شاء الله .

                                وليس فيه ما يدل على أن الإمام لا يؤمن ، بل فيه دليل على اقتران تأمين المأمومين بتأمين الإمام .

                                وقد خرج الإمام أحمد والنسائي من حديث معمر ، عن الزهري ، عن ابن المسيب ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( إذا قال الإمام : غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا : آمين ، فإن الملائكة تقول : آمين ، وإن الإمام يقول : آمين ، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ) .

                                واختلفوا في الجهر بها على ثلاثة أقوال :

                                أحدها : يجهر بها الإمام ومن خلفه ، وهو قول عطاء والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وابن أبي شيبة ، وعامة أهل الحديث .

                                واستدل بعضهم بقوله : ( إذا أمن الإمام فأمنوا ) فدل على سماعهم لتأمينه .

                                وروي عن عطاء ، قال : أدركت مائتين من أصحاب محمد ، إذا قال الإمام : ولا الضالين سمعت لهم ضجة ب : ( آمين ) . خرجه حرب .

                                [ ص: 494 ] والثاني : يخفيها الإمام ومن خلفه ، وهو قول الحسن والنخعي والثوري ومالك وأبي حنيفة وأصحابه .

                                والثالث : يخفيها المأموم كما يخفي سائر الأذكار ، ويجهر بها الإمام ، وهو قول للشافعي .

                                ومن أصحابه من حمله على حال على قلة المأمومين أو صغر المسجد بحيث يبلغهم تأمين الإمام ، فإن لم يكن كذلك جهر المأمومون قولا واحدا .

                                وفي الجهر بالتأمين للإمام أحاديث مرفوعة يطول ذكرها .

                                وقال الإمام أحمد - في رواية أبي داود - : يجهر الإمام حتى يسمع كل من في المسجد ، قال أبو داود : وكان مسجده صغيرا .

                                وقال حرب : سمعت أحمد يجهر بآمين جهرا خفيفا رقيقا ، وربما لم أسمعه يجهر بها ، قال : وسمعت إسحاق قال : يجهر بها حتى يسمع الصف الذي يليه ، قال : ويجهر بها كل صف حتى يسمع الصف الذي يليهم ، حتى يؤمن أهل المسجد كلهم .

                                ويكون تأمين المأمومين مع تأمين الإمام ، لا قبله ولا بعده ، عند أصحابنا وأصحاب الشافعي ، وقالوا : لا يستحب للمأموم مقارنة إمامه في شيء غير هذا ، فإن الكل يؤمنون على دعاء الفاتحة ، والملائكة يؤمنون أيضا على هذا الدعاء ، فيشرع المقارنة بالتأمين للإمام والمأموم ، ليقارن ذلك تأمين الملائكة في السماء ؛ بدليل قوله في رواية معمر : ( فإن الملائكة تقول : آمين ، والإمام يقول : آمين ) ، فعلل باقتران تأمين الإمام والملائكة ، ويكون معنى قوله : ( إذا أمن الإمام فأمنوا ) أي : إذا شرع في التأمين ، أو أراده .

                                وورد أثر يدل على تأخير تأمين المأموم عن تأمين الإمام ، من رواية ابن [ ص: 495 ] لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن عبد الله بن عتاب العدوي ، قال : صليت مع أبي بكر وعمر والأئمة بعدهما ، فكان إذا فرغ الإمام من قراءة فاتحة الكتاب فقال : ولا الضالين قال : آمين ، ورفع بها صوته ، ثم أنصت ، وقال من خلفه : آمين ، حتى يرجع الناس بها ، ثم يستفتح القراءة .

                                إسناده ضعيف .

                                وتأمين الملائكة هو على دعاء القارئ ، هذا هو الصحيح الذي يفهم من الحديث .

                                وقد ذكر ابن عبد البر وغيره فيه أقوالا أخر ، مرغوبا عن ذكرها ؛ لبعدها وتعسفها من غير دليل .

                                وقد قال عكرمة : إذا أقيمت الصلاة فصف أهل الأرض صف أهل السماء ، فإذا قال أهل الأرض : ولا الضالين قالت الملائكة : آمين ، فوافق آمين أهل الأرض آمين لأهل السماء ؛ غفر لأهل الأرض ما تقدم من ذنوبهم .

                                وروى العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : إذا قرأ الإمام بأم القرآن فاقرأ بها واسبقه ؛ فإنه إذا قال : ولا الضالين قالت الملائكة : آمين ، فمن وافق ذلك قمن أن يستجاب لهم .

                                ولا يستحب أن يصل آمين بذكر آخر ، مثل أن يقول : آمين رب العالمين ؛ لأنه لم تأت به السنة ، هذا قول أصحابنا .

                                وقال الشافعي : هو حسن .

                                ولا يستحب أن يقدم على التأمين دعاء ؛ لأن التأمين على دعاء الفاتحة ، وهو هداية الصراط المستقيم ، وهو أهم الأدعية وأجلها .

                                [ ص: 496 ] ومن السلف من استحب ذلك للمأموم ، منهم : الربيع بن خثيم والثوري .

                                وروى أبو نعيم في ( كتاب الصلاة ) حدثنا أبو مالك النخعي ، عن المغيرة بن النعمان ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : إذا قال الإمام : غير المغضوب عليهم ولا الضالين فسل موجبة ، ثم قل : آمين .

                                أبو مالك هذا ضعيف .

                                وروى أبو بكر النهشلي ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبد الله اليحصبي ، عن وائل بن حجر ، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم حين قال : غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال : ( رب اغفر لي ، آمين ) .

                                خرجه البيهقي وغيره .

                                وهذا الإسناد لا يحتج به .

                                وروى أبو حمزة ، عن إبراهيم النخعي ، قال : كانوا يستحبون ذلك .

                                وأبو حمزة هو ميمون الأعور ، ضعيف .

                                وظاهر الأحاديث يدل على أن يوصل التأمين بالفاتحة من غير سكوت .

                                وروى ابن المبارك ، ثنا عاصم الأحول ، عن حفصة بنت سيرين ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : إذا قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين ووصل بآمين ، فوافق تأمينه تأمين الملائكة استجيبت الدعوة .

                                حفصة لم تسمع من ابن مسعود .

                                واستحب الشافعية أن يسكت بين الفاتحة والتأمين سكتة لطيفة ؛ ليفصل القرآن عما ليس منه .

                                [ ص: 497 ] والتأمين سنة في الصلاة ، وليس بواجب عند جمهور العلماء .

                                وروى إسحاق بن إبراهيم بن هانئ ، عن أحمد ، قال : آمين أمر من النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( إذا أمن القارئ فأمنوا ) فهذا أمر منه ، والأمر أوكد من الفعل .



                                الخدمات العلمية