الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                [ ص: 498 ] 112 - باب

                                فضل التأمين

                                748 781 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، ثنا مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا قال أحدكم آمين وقالت الملائكة في السماء : آمين ، فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه ) .

                                التالي السابق


                                وخرج مسلم من رواية أبي يونس ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا قال أحدكم في الصلاة : آمين ، والملائكة في السماء : آمين ، فوافق إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه ) .

                                ومن رواية سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا قال القارئ : غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقال من خلفه : آمين ، فوافق قوله قول أهل السماء ، غفر له ما تقدم من ذنبه ) .

                                وروى إسحاق بن راهويه ، حدثنا جرير ، ثنا ليث ، عن كعب ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقال : آمين ، فوافق آمين أهل الأرض آمين أهل السماء ، غفر الله للعبد ما تقدم من ذنبه ، ومثل من لا يقول : آمين ، كمثل رجل غزا مع قوم فاقترعوا ، فخرجت سهامهم ولم يخرج سهمه ، فقال : لم لم يخرج سهمي ؟ فقيل : إنك لم تقل آمين ) .

                                قال أبو هريرة : وكان الإمام إذا قال : ولا الضالين جهر بآمين .

                                [ ص: 499 ] كعب هذا ، قال أحمد : لا أدري من هو ، وقال أبو حاتم : مجهول لا يعرف .

                                وقد ذكرنا - فيما تقدم - أن الحديث على ظاهره ، وأن الملائكة في السماء تؤمن على قراءة المصلين في الأرض للفاتحة .

                                وفي ( صحيح مسلم ) من رواية العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( قال الله عز وجل : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، ولعبدي ما سأل ، فإذا قال العبد : الحمد لله رب العالمين قال الله : حمدني عبدي ، فإذا قال : الرحمن الرحيم قال الله : أثنى علي عبدي ، فإذا قال : مالك يوم الدين قال : مجدني عبدي - وقال مرة : فوض إلي عبدي - ، فإذا قال : إياك نعبد وإياك نستعين قال : هذا بيني وبين عبدي ، ولعبدي ما سأل ، فإذا قال : اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال : هذا لعبدي ، ولعبدي ما سأل ) .

                                فهذا الحديث يدل على أن الله يستمع لقراءة المصلي حيث كان مناجيا له ، ويرد عليه جواب ما يناجيه به كلمة كلمة ، فأول الفاتحة حمد ، ثم ثناء ، وهو تثنية الحمد وتكريره ، ثم تمجيد ، والثناء على الله بأوصاف المجد والكبرياء والعظمة ، ثم ينتقل العبد من الحمد والثناء والتمجيد إلى خطاب الحضور ، كأنه صلح حينئذ للتقريب من الحضرة ، فخاطب خطاب الحاضرين ، فقال : إياك نعبد وإياك نستعين

                                وهذه الكلمة قد قيل : إنها تجمع سر الكتب المنزلة من السماء كلها ؛ لأن [ ص: 500 ] الخلق إنما خلقوا ليؤمروا بالعبادة ، كما قال : وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون وإنما أرسلت الرسل وأنزلت الكتب لذلك ، فالعبادة حق الله على عباده ، ولا قدرة للعباد عليها بدون إعانة الله لهم ، فلذلك كانت هذه الكلمة بين الله وبين عبده ؛ لأن العبادة حق الله على عبده ، والإعانة من الله فضل من الله على عبده .

                                وبعد ذلك الدعاء بهداية الصراط المستقيم ؛ صراط المنعم عليهم ، وهم الأنبياء وأتباعهم من الصديقين والشهداء والصالحين ، كما ذكر ذلك في سورة النساء .

                                فمن استقام على هذا الصراط حصل له سعادة الدنيا والآخرة ، واستقام سيره على الصراط يوم القيامة ، ومن خرج عنه فهو إما مغضوب عليه ، وهو من يعرف طريق الهدى ولا يتبعه كاليهود ، أو ضال عن طريق الهدى كالنصارى ونحوهم من المشركين .

                                فإذا ختم القارئ في الصلاة قراءة الفاتحة ، أجاب الله دعاءه فقال : ( هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ) وحينئذ تؤمن الملائكة على دعاء المصلي ، فيشرع للمصلين موافقتهم في التأمين معهم ، فالتأمين مما يستجاب به الدعاء .

                                وفي ( صحيح مسلم ) عن أبي موسى الأشعري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( إذا قال الإمام : غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا : آمين ، يجبكم الله ) .

                                ولما كان المأموم مأمورا بالإنصات لقراءة الإمام ، مأمورا بالتأمين على دعائه عند فراغ الفاتحة ؛ لم يكن عليه قراءة ؛ لأنه قد أنصت للقراءة ، وأمن على الدعاء ، فكأنه دعا ، كما قال كثير من السلف في قول الله تعالى لموسى [ ص: 501 ] وهارون : قد أجيبت دعوتكما قالوا : كان موسى يدعو وهارون يؤمن ، فسماهما داعيين .



                                الخدمات العلمية