الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      وروى يحيى بن يمان ، عن سفيان : اصحب من شئت ، ثم أغضبه ، ثم دس إليه من يسأله عنك .

                                                                                      وقال قبيصة ، عن سفيان : كثرة الإخوان من سخافة الدين .

                                                                                      وعن سفيان : أقل من معرفة الناس ، تقل غيبتك .

                                                                                      قال قبيصة : كان سفيان إذا نظرت إليه كأنه راهب ، فإذا أخذ في الحديث أنكرته .

                                                                                      قلت : قد كان لحق سفيان خوف مزعج إلى الغاية . قال ابن مهدي : كنا نكون عنده ، فكأنما وقف للحساب . وسمعه عثام بن علي يقول : لقد خفت الله خوفا ، عجبا لي ! كيف لا أموت ؟ ولكن لي أجل وددت أنه خفف عني من الخوف ، أخاف أن يذهب عقلي .

                                                                                      وقال حماد بن دليل : سمعت الثوري يقول : إني لأسأل الله أن يذهب عني من خوفه .

                                                                                      وقال ابن مهدي : كنت أرمق سفيان في الليلة بعد الليلة ، ينهض مرعوبا ينادى : النار النار ، شغلني ذكر النار عن النوم والشهوات .

                                                                                      وقاله أبو نعيم : كان سفيان إذا ذكر الموت لم ينتفع به أياما . [ ص: 277 ]

                                                                                      وقال يوسف بن أسباط : كان سفيان يبول الدم من طول حزنه وفكرته .

                                                                                      قال عبد الرزاق : لما قدم سفيان علينا ، طبخت له قدر سكباج فأكل ، ثم أتيته بزبيب الطائف ، فأكل ثم قال : يا عبد الرزاق ! اعلف الحمار وكده . ثم قام يصلي حتى الصباح .

                                                                                      وقال أحمد بن يونس : حدثنا علي بن الفضيل : رأيت الثوري ساجدا ، فطفت سبعة أسابيع قبل أن يرفع رأسه .

                                                                                      وعن مؤمل بن إسماعيل قال : أقام سفيان بمكة سنة ، فما فتر من العبادة سوى من بعد العصر إلى المغرب ، كان يجلس مع أصحاب الحديث ، وذلك عبادة .

                                                                                      وعن ابن مهدي : كنت لا أستطيع سماع قراءة سفيان من كثرة بكائه .

                                                                                      وقال مؤمل : دخلت على سفيان ، وهو يأكل طباهج ببيض ، فكلمته في ذلك ، فقال : لم آمركم أن لا تأكلوا طيبا ، اكتسبوا طيبا وكلوا .

                                                                                      وقال أحمد بن يونس : أكلت عند سفيان خشكنانج فقال : هذا أهدي لنا . وقال عبد الرزاق : أكل سفيان مرة تمرا بزبد ، ثم قام يصلي حتى زالت الشمس .

                                                                                      وقيل : إنه سار إلى اليمن بأربعة آلاف مضاربة فأنفق الربح . [ ص: 278 ] وعن يحيى بن المتوكل : قال سفيان : إذا أثنى على الرجل جيرانه أجمعون ، فهو رجل سوء ; لأنه ربما رآهم يعصون ، فلا ينكر ، ويلقاهم ببشر .

                                                                                      وقال فضيل ، عن سفيان : إذا رأيت الرجل محببا إلى جيرانه ، فاعلم أنه مداهن .

                                                                                      وقال يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية : ما رأيت أحدا أصفق وجها في ذات الله من سفيان . وعن سفيان ، قال : إن هؤلاء الملوك قد تركوا لكم الآخرة ، فاتركوا لهم الدنيا .

                                                                                      قال عبد الرزاق : سمعت الثوري يقول لوهيب : ورب هذه البنية إني لأحب الموت .

                                                                                      وعن ابن مهدي ، قال : مرض سفيان بالبطن ، فتوضأ تلك الليلة ستين مرة ، حتى إذا عاين الأمر ، نزل عن فراشه ، فوضع خده بالأرض ، وقال : يا عبد الرحمن ! ما أشد الموت . ولما مات غمضته ، وجاء الناس في جوف الليل ، وعلموا .

                                                                                      وقال عبد الرحمن : كان سفيان يتمنى الموت ليسلم من هؤلاء ، فلما مرض كرهه ، وقال لي : اقرأ علي يس فإنه يقال : يخفف عن المريض ، فقرأت ، فما فرغت حتى طفئ .

                                                                                      وقيل : أخرج بجنازته على أهل البصرة بغتة ، فشهده الخلق ، وصلى عليه عبد الرحمن بن عبد الملك بن أبجر الكوفي ، بوصية من سفيان ، لصلاحه . [ ص: 279 ]

                                                                                      قال ابن المديني : أقام سفيان في اختفائه نحو سنة .

                                                                                      وقال يحيى القطان : مات في أول سنة إحدى وستين ومائة .

                                                                                      قلت : الصحيح : موته في شعبان سنة إحدى كذلك أرخه الواقدي ، ووهم خليفة ، فقال : مات سنة اثنتين وستين .

                                                                                      قال يوسف بن أسباط : رأيت الثوري في النوم ، فقلت : أي الأعمال وجدت أفضل ؟ قال : القرآن . فقلت : الحديث ؟ فولى وجهه .

                                                                                      وقال بكر بن خلف : حدثنا مؤمل ، قال : رأيت سفيان في المنام ، فقلت : يا أبا عبد الله ! ما وجدت أنفع ؟ قال : الحديث . وقال سعير بن الخمس : رأيت سفيان في المنام يطير من نخلة إلى نخلة وهو يقرأ : الحمد لله الذي صدقنا وعده .

                                                                                      وقال أبو أسامة : لقيت يزيد بن إبراهيم صبيحة الليلة التي مات فيها سفيان ، فقال لي : قيل لي الليلة في منامي : مات أمير المؤمنين . فقلت للذي يقول في المنام : مات سفيان الثوري ؟ قال : نعم .

                                                                                      وقال مصعب بن المقدام : رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في النوم آخذا بيد سفيان الثوري ، وهو يجزيه خيرا .

                                                                                      وقال أبو سعيد الأشج : حدثنا إبراهيم بن أعين ، قال : رأيت سفيان بن سعيد ، فقلت : ما صنعت ؟ قال : أنا مع السفرة الكرام البررة . تمت الترجمة ، والحمد لله .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية