الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ( فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما ) قال الراغب : الوسوسة الخطرة الرديئة وأصله من الوسواس وهو صوت الحلي ، والهمس الخفي قال : ( فوسوس إليه الشيطان ) ( 20 : 120 ) وقال : ( من شر الوسواس ) ( 114 : 4 ) ويقال لهمس الصائد وسواس اهـ . فوسوسة الشيطان للبشر هي ما يجدونه في أنفسهم من الخواطر الرديئة التي تزين لهم ما يضرهم في أبدانهم أو أرواحهم ومعاملاتهم ، وقد فصلنا القول في ذلك مرارا . والظاهر هنا أن الشيطان تمثل لآدم وزوجه وكلمهما وأقسم لهما ، ولا مانع منه على قول الجمهور .

                          ومن جعل القصة تمثيلا لبيان حال النوع البشري من الأطوار التي تنقل فيها يفسر الوسوسة بما تقدم آنفا ، فإن الإنسان عندما ينتقل من طور الطفولة التي لا يعرف فيه هما ولا نصبا إلى طور التمييز الناقص يكون كثير التعرض لوسوسة الشيطان واتباعها . وقد عللت هذه الوسوسة بأن غايتها أو غرضه منها أن يظهر لهما ما غطي وستر عنهما من سوآتهما يقال : وارى الشيء إذا غطاه وستره ، ووري الشيء غطي وستر ، والسوءة ما يسوء الإنسان من أمر شائن وعمل قبيح . والسوءة السوآء الخلة القبيحة والمرأة المخالفة . قال في حقيقة الأساس : وسوءة لك ، ووقعت في السوءة السوآء ، قال أبو زبيد :


                          لم يهب حرمة النديم وحقت يا لقومي للسوءة السوآء



                          ثم قال : ومن باب الكناية بدت سوءته وبدت لهما سوآتهما اهـ . وإذا أضيفت السوءة إلى الإنسان أريد بها عورته الفاحشة ؛ لأنه يسوءه ظهورها بمقتضى الحياء الفطري ما لم يفسده بتعود إظهارها مع آخرين فيرتفع الحياء بينهم ، وجمعت هنا على القاعدة في إضافة المثنى إلى ضميره إذ يستثقلون الجمع بين تثنيتين فيما هو كالكلمة الواحدة فيجمعون المضاف ، كقوله تعالى : ( إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما ) ( 66 : 4 ) . وسنذكر معنى ما كان من هذا الإخفاء أو المواراة لسوآتهما عنهما في تفسير قوله تعالى : ( فبدت لهما سوآتهما ) ( 20 : 121 ) وما هو ببعيد .

                          ( وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين ) أي وقال فيما وسوس به لهما : ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة أن تأكلا منها إلا لأحد أمرين : اتقاء [ ص: 310 ] أن تكونا بالأكل منها ملكين ، أي كالملكين فيما أوتي الملائكة من الخصائص كالقوة وطول البقاء وعدم التأثر بفواعل الكون المؤلمة والمتعبة وغير ذلك ، وقرأ ابن عباس وابن كثير " ملكين " بكسر اللام واستشهد له الزجاج بما حكاه تعالى عن الشيطان في سورة طه بقوله : ( قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ) ( 20 : 120 ) وهو ضعيف والقراءة شاذة - أو اتقاء أن تكونا من الخالدين في الجنة ، أو الذين لا يموتون ألبتة . وأوهمهما أن الأكل من هذه الشجرة يعطي الآكل صفة الملائكة وغرائزهم ويقتضي الخلود في الحياة ، واستدلوا به على تفضيل الملائكة على آدم ، وخصه بعضهم بملائكة السماء والكرسي والعرش من العالين والمقربين دون ملائكة الأرض المسخرين لتدبير أمورها الذين كان معنى سجودهم له أن الله سخر لنوعه جميع قوى الأرض وعوالمها - وذكر الرازي في تفسير الآية أنها أحد الدلائل على كون الملائكة الذين سجدوا لآدم هم ملائكة الأرض فقط ، واستدل الشيخ محيي الدين بن العربي على عدم سجود جميع الملائكة له بقوله تعالى لإبليس في سورة الحجر : ( أستكبرت أم كنت من العالين ) ( 38 : 75 ) بناء على أن العالين خواص الملائكة .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية