الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( واللذان يأتيانها منكم )

قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : واللذان يأتيانها منكم ، والرجل والمرأة اللذان يأتيانها ، يقول : يأتيان الفاحشة . و " الهاء " و " الألف " في قوله : " يأتيانها " عائدة على " الفاحشة " التي في قوله : واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم . والمعنى : واللذان يأتيان منكم الفاحشة فآذوهما .



ثم اختلف أهل التأويل في المعني بقوله : " واللذان يأتيانها منكم فآذوهما " .

فقال بعضهم : هما البكران اللذان لم يحصنا ، وهما غير اللاتي عنين بالآية قبلها . وقالوا : قوله : واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم ، معني به الثيبات المحصنات بالأزواج - وقوله : واللذان يأتيانها منكم ، يعنى به البكران غير المحصنين .

ذكر من قال ذلك :

8812 - حدثنا محمد بن الحسين قال حدثنا أحمد بن المفضل قال حدثنا [ ص: 82 ] أسباط ، عن السدي : ذكر الجواري والفتيان الذين لم ينكحوا فقال : واللذان يأتيانها منكم فآذوهما .

8813 - حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : واللذان يأتيانها منكم البكرين فآذوهما .

وقال آخرون : بل عني بقوله : واللذان يأتيانها منكم ، الرجلان الزانيان .

ذكر من قال ذلك :

8814 - حدثنا أبو هشام الرفاعي قال حدثنا يحيى ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : واللذان يأتيانها منكم فآذوهما ، قال : الرجلان الفاعلان لا يكني .

8815 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : واللذان يأتيانها منكم ، الزانيان .

وقال آخرون : بل عني بذلك الرجل والمرأة ، إلا أنه لم يقصد به بكر دون ثيب .

ذكر من قال ذلك :

8816 - حدثنا أبو هشام الرفاعي قال : حدثنا يحيى ، عن ابن جريج ، عن عطاء : واللذان يأتيانها منكم فآذوهما ، قال : الرجل والمرأة .

8817 - حدثنا محمد بن حميد قال حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا الحسين ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة والحسن البصري قالا : واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم إلى قوله : أو يجعل الله لهن سبيلا ، فذكر الرجل بعد [ ص: 83 ] المرأة ، ثم جمعهما جميعا فقال : واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما .

8818 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال عطاء وعبد الله بن كثير ، قوله : واللذان يأتيانها منكم ، قال : هذه للرجل والمرأة جميعا .

قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصواب في تأويل قوله : واللذان يأتيانها منكم ، قول من قال : " عني به البكران غير المحصنين إذا زنيا ، وكان أحدهما رجلا والآخر امرأة " لأنه لو كان مقصودا بذلك قصد البيان عن حكم الزناة من الرجال ، كما كان مقصودا بقوله : واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم قصد البيان عن حكم الزواني ، لقيل : " والذين يأتونها منكم فآذوهم " أو قيل : " والذي يأتيها منكم " كما قيل في التي قبلها : واللاتي يأتين الفاحشة ، فأخرج ذكرهن على الجميع ، ولم يقل : " واللتان يأتيان الفاحشة " .

وكذلك تفعل العرب إذا أرادت البيان على الوعيد على فعل أو الوعد عليه ، أخرجت أسماء أهله بذكر الجميع أو الواحد وذلك أن الواحد يدل على جنسه ولا تخرجها بذكر اثنين . فتقول : " الذين يفعلون كذا فلهم كذا " " والذي يفعل كذا فله كذا " ولا تقول : " اللذان يفعلان كذا فلهما كذا " إلا أن يكون فعلا لا يكون إلا من شخصين مختلفين ، كالزنا لا يكون إلا من زان وزانية . فإذا كان ذلك كذلك قيل بذكر الاثنين ، يراد بذلك الفاعل والمفعول به . فأما أن يذكر بذكر الاثنين ، والمراد بذلك شخصان في فعل قد ينفرد كل واحد منهما به ، أو في فعل لا يكونان فيه مشتركين ، فذلك ما لا يعرف في كلامها .

وإذا كان ذلك كذلك ، فبين فساد قول من قال : " عني بقوله : " واللذان يأتيانها منكم الرجلان " وصحة قول من قال : عني به الرجل والمرأة .

[ ص: 84 ] وإذا كان ذلك كذلك ، فمعلوم أنهما غير اللواتي تقدم بيان حكمهن في قوله : واللاتي يأتين الفاحشة ، لأن هذين اثنان ، وأولئك جماعة .

وإذا كان ذلك كذلك ، فمعلوم أن الحبس كان للثيبات عقوبة حتى يتوفين من قبل أن يجعل لهن سبيلا لأنه أغلظ في العقوبة من الأذى الذي هو تعنيف وتوبيخ أو سب وتعيير ، كما كان السبيل التي جعلت لهن من الرجم ، أغلظ من السبيل التي جعلت للأبكار من جلد المائة ونفي السنة .

التالي السابق


الخدمات العلمية