الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( والمضمضة والاستنشاق ) لأنه عليه الصلاة والسلام فعلهما على المواظبة . وكيفيته أن يمضمض ثلاثا يأخذ لكل مرة ماء جديدا ثم يستنشق كذلك [ ص: 26 ] هو المحكي من وضوء صلى الله عليه وسلم

التالي السابق


( قوله والمضمضة والاستنشاق ) والسنة فيهما المبالغة لغير الصائم وهو في المضمضة إلى الغرغرة ، وفي الاستنشاق إلى ما اشتد من الأنف ،ولو شرب الماء عبا أجزأ عن المضمضة ، وهو يفيد أن مجه ليس من حقيقتها ، وقيل لا يجزئه ، ومصا لا يجزئه .

( قوله : لأنه عليه الصلاة والسلام فعلهما على المواظبة ) جميع من حكى وضوءه عليه الصلاة والسلام فعلا وقولا اثنان وعشرون نفرا ، ولا بأس بإفادة حصرهم تكميلا وإسعافا : الأول عبد الله بن زيد فعلا ، وفيه مضمض واستنشق واستنثر ثلاثا بثلاث غرفات ، وفيه فمسح رأسه فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة ، رواه الستة عنه ، والمراد عبد الله بن زيد بن عاصم ، ووهم ابن عيينة في جعله إياه ابن زيد بن عبد ربه راوي الأذان . وفي قوله مسح مرتين إلا أن يكون رواه بمعنى أقبل وأدبر . الثاني عثمان فعلا في الصحيحين ، ولم يذكر في المضمضة والاستنشاق عدد غرفات ، ولا في المسح إقبالا ولا غيره . الثالث ابن عباس فعلا في البخاري وفيه { أخذ غرفة من ماء فتمضمض بها واستنشق } وفيه { ثم أخذ [ ص: 26 ] غرفة من ماء فغسل بها يده اليمنى ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليسرى ثم مسح برأسه } . الرابع المغيرة رواه البخاري في كتاب اللباس . الخامس علي بن أبي طالب فعلا رواه أصحاب السنن الأربعة ، وفيه { فمسح برأسه مرة واحدة } ، وفي رواية أبي داود في المضمضة والاستنشاق قال بماء واحد . السادس المقدام بن معدي كرب قولا دون تنصيص على عدد في شيء رواه أبو داود . السابع أبو مالك الأشعري فعلا كالذي قبله ، رواه عبد الرزاق والطبراني وأحمد وابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه . الثامن أبو بكرة قولا كالذي قبله ، رواه البزار التاسع أبو هريرة قولا كالذي قبله ، رواه أحمد وأبو يعلى ، وزاد " أنه صلى الله عليه وسلم نضح تحت ثوبه ثم قال : هذا إسباغ الوضوء . العاشر وائل بن حجر ، رواه الترمذي عنه قولا ، وفيه { ثم مسح على رأسه ثلاثا وظاهر أذنيه ثلاثا وظاهر رقبته } ، وأظنه قال وظاهر لحيته ثلاثا ثم غسل قدمه اليمنى وفصل بين أصابعه ، أو قال خلل بين أصابعه ورفع الماء حتى جاوز الكعب ثم رفعه إلى الساق ، ثم فعل باليسرى مثل ذلك ، ثم أخذ حفنة من ماء فملأ بها يده ثم وضعها على رأسه حتى انحدر الماء من جوانبه وقال : هذا إتمام الوضوء ، ولم أره ينشف بثوب " . قال الإمام : يرويه محمد بن حجر بن عبد الجبار ، قال البخاري فيه نظر .

الحادي عشر جبير بن نفير ، رواه ابن حبان دون تنصيص على عدد في الرأس وغرفات المضمضة والاستنشاق . الثاني عشر أبو أمامة فرواه أحمد في مسنده . الثالث عشر أنس أخرج الدارقطني عن الحسن البصري أنه توضأ ثم قال : حدثني أنس بن مالك أن هذا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم دون ذلك التنصيص .

الرابع عشر أبو أيوب الأنصاري ، رواه الطبراني وإسحاق بن راهويه قال : { كان صلى الله عليه وسلم إذا توضأ تمضمض واستنشق وأدخل أصابعه من تحت لحيته فخللها } . الخامس عشر كعب بن عمرو اليماني ، رواه أبو داود عنه قال : { دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ ، والماء يسيل من وجهه ولحيته على صدره ، فرأيته يفصل بين المضمضة والاستنشاق } ا هـ . ورواه الطبراني ، وفصل معنى التفصيل وسنذكره عن قريب إن شاء الله تعالى . السادس عشر عبد الله بن أبي أوفى قولا ، رواه أبو يعلى دون ذلك التنصيص . السابع عشر البراء بن عازب فعلا ، رواه الإمام أحمد كذلك . الثامن عشر أبو كاهل قيس بن عائذ قولا ، وفيه { فغسل يعني النبي صلى الله عليه وسلم يده ثلاثا وتمضمض واستنشق ثلاثا ثلاثا وغسل ذراعيه ثلاثا ومسح برأسه ولم يوقت وغسل رجليه ولم يوقت } ، ولعل قوله ذلك هو الوجه للقائلين بعدم سنية التثليث في غسل الرجل ، وقد ضعف بالهيثم بن جماز ، وحديث الربيع بعده صريح في تثليث الرجلين . التاسعة عشر الربيع بنت معوذ فرواه أبو داود عنها قولا قالت فيه : فغسل كفيه ثلاثا ووضأ وجهه ثلاثا ومضمض واستنشق مرة ووضأ يده ثلاثا ، ومسح برأسه مرتين يبدأ بمؤخر رأسه ثم بمقدمه ، وفيه : وضأ رجليه ثلاثا ثلاثا . العشرون عائشة رضي الله عنها فعلا ، رواه النسائي في سننه الكبرى ، وفيه : مسحت رأسها مسحة واحدة إلى مؤخره ثم مرت بيديها بأذنيها ، وليس في شيء منها ذكر التسمية إلا حديث ضعيف أخرجه الدارقطني عن حارثة بن أبي الرجال عن عمرة عن عائشة قالت : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مس طهورا سمى الله تعالى } .

الحادي والعشرون عبد الله بن أنيس فعلا ، رواه الطبراني ، وفيه : مسح برأسه مقبلا ومدبرا ومس أذنيه الثاني والعشرون عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وسنذكرها قريبا ، وقد أشرنا فيها إلى الأطراف المذكورة في كيفية المسح وغرفات المضمضة والاستنشاق ; لأنهما موضعا خلاف فتتيسر الإحالة عند الكلام عليهما ، وكلها نص على المضمضة والاستنشاق فلا شك في ثبوت المواظبة عليهما ( قوله هو المحكي ) تقدم من حكاية عبد الله بن زيد [ ص: 27 ] فمضمض واستنشق واستنثر ثلاثا بثلاث غرفات ، ومعلوم أن الاستنثار ليس أخذ ماء ليكون له غرفات ، والمراد بثلاث غرفات مثل المراد بقوله ثلاثا ، فكما أن المراد كل من المضمضة والاستنشاق ثلاثا فكذا كل من المضمضة والاستنشاق بثلاث غرفات . وقد جاء مصرحا في حديث الطبراني : حدثنا الحسين بن إسحاق التستري ، حدثنا شيبان بن فروخ ، حدثنا أبو سلمة الكندي ، حدثنا ليث بن أبي سليم ، حدثني طلحة بن مشرف عن أبيه عن جده كعب بن عمرو اليامي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا ، يأخذ لكل واحدة ماء جديدا ، وغسل وجهه ثلاثا ، فلما مسح رأسه قال هكذا ، وأومأ بيديه من مقدم رأسه حتى بلغ بهما إلى أسفل عنقه من قبل قفاه } وقدمنا رواية أبي داود مختصرا وسكت عليه هو والمنذري بعده . وما نقل عن ابن معين أنه سئل : ألكعب صحبة ؟ فقال : المحدثون يقولون إنه رآه صلى الله عليه وسلم ، وأهل بيت طلحة يقولون ليست له صحبة غير قادح ، فإذا اعترف أهل الشأن بأن له صحبة تم الوجه ، ويدل عليه ما رواه ابن سعد في الطبقات : أخبرنا يزيد بن هارون عن عثمان بن مقسم البري عن ليث عن طلحة بن مصرف اليامي عن جده قال { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح هكذا ، ووصف فمسح مقدم رأسه جر يديه إلى قفاه }

وما في حديث علي بماء واحد لا يعارض الصحيح من حديث ابن زيد وكعب ، وما في حديث ابن عباس فأخذ غرفة من ماء إلى آخر ما تقدم يجب صرفه إلى أن المراد تجديد الماء بقرينة قوله بعد ذلك : ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليمنى ، ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليسرى ، ومعلوم أن لكل من اليدين ثلاث غرفات لا غرفة واحدة ، فكان المراد أخذ ماء لليمنى ثم ماء لليسرى ، إذ ليس يحكي الفرائض فقد حكى السنن من المضمضة وغيرها ، ولو كان لكان المراد أن ذلك أدنى ما يمكن إقامة المضمضة به ، كما أن ذلك أدنى ما يقام فرض اليد به ; لأن المحكي إنما هو وضوءه الذي كان عليه ليتبعه المحكي لهم ، وما روي بكف واحد فلنفي كونه بكفين معا أو على التعاقب ، كما ذهب إليه بعضهم من أن المضمضة باليمنى والاستنشاق باليسرى




الخدمات العلمية