الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 103 ] النوع الخامس .

الفراشي والنومي .

ومن أمثلة الفراشي قوله : والله يعصمك من الناس [ المائدة : 67 ] كما تقدم . وآية الثلاثة الذين خلفوا ، ففي الصحيح : أنها نزلت وقد بقي من الليل ثلثه ، وهو - صلى الله عليه وسلم - عند أم سلمة .

واستشكل الجمع بين هذا وقوله - صلى الله عليه وسلم - في حق عائشة : ما نزل علي الوحي في فراش امرأة غيرها .

قال القاضي جلال الدين : ولعل هذا كان قبل القصة التي نزل الوحي فيها في فراش أم سلمة .

قلت : ظفرت بما يؤخذ منه الجواب الذي أحسن من هذا ، فروى أبو يعلى في مسنده : عن عائشة قالت : " أعطيت تسعا . . " الحديث ، وفيه : " وإن كان الوحي لينزل عليه وهو في أهله فينصرفون عنه ، وإن كان لينزل عليه وأنا معه في لحافه " وعلى هذا لا معارضة بين الحديثين كما لا يخفى .

وأما النومي : ففي أمثلته سورة الكوثر ، لما روى مسلم ، عن أنس قال : بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرنا إذ غفا إغفاءة ، ثم رفع رأسه متبسما ، فقلنا : ما أضحك رسول الله ؟ فقال : أنزل علي آنفا سورة فقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر .

وقال الإمام الرافعي في أماليه : فهم فاهمون من الحديث أن السورة نزلت في تلك [ ص: 104 ] الإغفاءة ، وقالوا : من الوحي ما كان يأتيه في النوم; لأن رؤيا الأنبياء وحي . قال : وهذا صحيح ، لكن الأشبه أن يقال : إن القرآن كله نزل في اليقظة ، وكأنه خطر له في النوم سورة الكوثر المنزلة في اليقظة ، أو عرض عليه الكوثر الذي وردت فيه السورة ، فقرأها عليهم ، وفسرها لهم . ثم قال : وورد في بعض الروايات أنه أغمي عليه ، وقد يحمل ذلك على الحالة التي كانت تعتريه عند نزول الوحي ، ويقال : لها برجاء الوحي . انتهى .

قلت : الذي قاله الرافعي في غاية الاتجاه ، وهو الذي كنت أميل إليه قبل الوقوف عليه ، والتأويل الأخير أصح من الأول ; لأن قوله : " أنزل علي آنفا " يدفع كونها نزلت قبل ذلك ، بل نقول : نزلت تلك الحالة ، ليس الإغفاء إغفاء نوم ، بل الحالة التي كانت تعتريه عند الوحي ، فقد ذكر العلماء أنه كان يؤخذ عن الدنيا .

التالي السابق


الخدمات العلمية