الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ذكر من توفي فيها من الأعيان :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أصبغ بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم أبو زبان في رمضان منها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وحسان بن إبراهيم ، قاضي كرمان عن مائة سنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 636 ] سلم الخاسر الشاعر ، وهو سلم بن عمرو بن حماد بن عطاء ، وإنما قيل له : الخاسر . لأنه باع مصحفا واشترى به ديوان شعر لامرئ القيس . وقيل للأعشى . وقيل : طنبورا : وقيل : لأنه أنفق مائتي ألف في صناعة الأدب . وقد كان شاعرا مطبقا ، له قدرة على الإنشاء على حرف واحد ، فمن ذلك قوله لموسى الهادي :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      موسى المطر غيث بكر     ثم انهمر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كم اعتسر     ثم ايتسر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكم قدر     ثم غفر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      عدل السير     باقي الأثر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      خير البشر     فرع مضر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بدر بدر     لمن نظر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      هو الوزر     لمن حضر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      والمفتخر     لمن غبر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      والمجتبر     لمن عثر

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وذكر الخطيب البغدادي أنه كان على طريقة غير مرضية من المجون والفسق ، وأنه كان من تلاميذ بشار بن برد ، وأن نظمه أحسن من نظم بشار ، فمما غلب [ ص: 637 ] فيه بشارا قول بشار :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      من راقب الناس لم يظفر بحاجته     وفاز بالطيبات الفاتك اللهج

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فقال سلم :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      من راقب الناس مات غما     وفاز باللذة الجسور

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فغضب بشار وقال : أخذ معاني فكساها ألفاظا أخف من ألفاظي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد حصل له من الخلفاء والبرامكة نحو من أربعين ألف دينار ، وقيل أكثر من ذلك . ولما مات ترك ستة وثلاثين ألف دينار فأودعها عند أبي السمراء الغساني ، فغنى إبراهيم الموصلي الرشيد يوما فأطربه ، فقال له : سل . فقال : يا أمير المؤمنين ، أسألك شيئا لا أرزؤك . قال : وما هو؟ فذكر له وديعة سلم الخاسر ، وأنه لم يترك وارثا ، فأمر له بها . ويقال : إنها كانت خمسين ألف دينار .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ، عم الرشيد ، كان من سادات قريش ، ولي إمارة الجزيرة في أيام الرشيد ، وقد أطلق له الرشيد في يوم خمسة آلاف ألف درهم ، وإليه تنسب العباسية ، وبها دفن وعمره خمس وستون سنة ، وصلى عليه الأمين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يقطين بن موسى ، كان أحد الدعاة إلى دولة بني العباس ، وكان داهية ذا رأي ، وقد احتال مرة حيلة عظيمة وذلك حين حبس مروان الحمار إبراهيم بن [ ص: 638 ] محمد بحران ، فتحيرت الشيعة العباسية فيمن يكون ولي الأمر من بعده ، فذهب يقطين هذا إلى مروان ، فوقف بين يديه في صورة تاجر فقال : يا أمير المؤمنين ، إني قد بعت بضاعة من رجل ولم أقبض ثمنها منه حتى أخذته رسلك فحبسوه ، فإن رأى أمير المؤمنين أن يجمع بيني وبينه لأطالبه بمالي؟ قال : نعم . فأرسل به إليه مع غلام ، فلما رآه قال : يا عدو الله ، إلى من تركت بعدك آخذ مالي منه؟ فقال : إلى ابن الحارثية . يعني أخاه عبد الله السفاح ، فرجع يقطين إلى الدعاة إلى بني العباس ، فأعلمهم بما قال ، فبايعوا السفاح ، وكان ما قد كان .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية