الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا توضأ العبد المؤمن فتمضمض خرجت الخطايا من فيه وإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه فإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه حتى تخرج من تحت أشفار عينيه فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من يديه حتى تخرج من تحت أظفار يديه فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه فإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج من تحت أظفار رجليه قال ثم كان مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة له

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          62 60 - ( مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحي ) بضم الصاد المهملة وفتح النون وكسر الموحدة نسبة إلى صنابح بطن من مراد ، كذا لأكثر رواة الموطأ بلا أداة كنية وهو مختلف فيه ، قال ابن السكن : يقال له صحبة ، مدني روى عنه عطاء بن يسار .

                                                                                                          وقال ابن معين : عبد الله الصنابحي الذي روى عنه المدنيون يشبه أن يكون له صحبة وأما أبو عبد الله الصنابحي المشهور فروى عن أبي بكر وعبادة ، ليست له صحبة ، ورواه مطرف وإسحاق بن الطباع عن مالك بهذا الإسناد عن أبي عبد الله الصنابحي بأداة الكنية وشذا بذلك ، وقد أخرجه النسائي من طريق مالك بلا أداة كنية ولم ينفرد به مالك بل تابعه أبو غسان محمد بن مطرف عن زيد بن أسلم عن عطاء عن عبد الله الصنابحي ، أخرجه ابن منده به ، ونقل الترمذي عن البخاري أن مالكا وهم في قوله عبد الله وإنما هو أبو عبد الله واسمه عبد الرحمن بن عسيلة ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم ، وظاهره أن عبد الله الصنابحي لا وجود له وفيه نظر ، فقد روى سويد بن سعيد حديثا غير هذا عن حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحي سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الشمس تطلع بين قرني شيطان " الحديث ، وكذا أخرجه الدارقطني في غرائب مالك من طريق إسماعيل بن الحارث وابن منده من طريق إسماعيل الصائغ كلاهما عن مالك وزهير بن محمد قالا : حدثنا زيد بن أسلم بهذا .

                                                                                                          قال ابن منده : رواه محمد بن جعفر بن أبي كثير وخارجة بن مصعب عن زيد ، قلت : روى زهير بن محمد وأبو غسان محمد بن مطرف عن زيد بن أسلم بهذا السند حديثا آخر عن عبد الله الصنابحي عن عبادة بن الصامت في الوتر أخرجه أبو داود فورود عبد الله الصنابحي في هذين الحديثين من رواية هؤلاء الثلاثة عن شيخ مالك يدفع الجزم بوهم مالك فيه ، ذكره الحافظ في الإصابة اهـ .

                                                                                                          فلله دره حافظا فارسا . ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا توضأ العبد المؤمن فتمضمض خرجت الخطايا من فيه ) [ ص: 156 ] قال الباجي : يحتمل أن المضمضة كفارة لما يخص الفم من الخطايا فعبر عن ذلك بخروجها منه ، ويحتمل أن يعفو تعالى عن عقاب الإنسان بالذنوب التي اكتسبها وإن لم تختص بذلك العضو .

                                                                                                          وقال عياض : ذكر خروج الخطايا استعارة لحصول المغفرة عند ذلك ; لأن الخطايا في الحقيقة شيء يحل في الماء أي لأنها ليست بأجسام ولا كائنة في أجسام فتخرج حقيقة ، وإنما هو تمثيل ، شبه الخطايا الحاصلة باكتساب أعضائه بأجسام ردية امتلأ بها وعاء أريد تنظيفه فتخرج منه شيئا فشيئا .

                                                                                                          ( وإذا استنثر ) بوزن استفعل أخرج ماء الاستنشاق ( خرجت الخطايا من أنفه ، فإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه حتى تخرج من تحت أشفار عينيه ) جمع شفر قال ابن قتيبة : والعامة تجعل أشفار العين الشعر وهو غلط ، وإنما الأشفار حروف العين التي ينبت عليها الشعر والشعر الهدب .

                                                                                                          قال الباجي : جعل العينين مخرجا لخطايا الوجه دون الفم والأنف لأنهما يختصان بطهارة مشروعة في الوضوء دون العينين .

                                                                                                          ( فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من يديه حتى تخرج من تحت أظفار يديه ) جمع ظفر بضمتين على أفصح لغاته وبها قرأ السبعة : ( حرمنا كل ذي ظفر ) ( سورة الأنعام : الآية 146 ) ويجمع أيضا على أظفر وبإسكان الفاء للتخفيف وبه قرأ الحسن البصري ، وبكسر الطاء بزنة حمل وبكسرتين للإتباع وبهما قرئ في الشواذ ، وأظفور جمعه أظافير مثل أسبوع وأسابيع .

                                                                                                          قال الشاعر :


                                                                                                          ما بين لقمته الأولى إذا انحدرت وبين أخرى تليها قيد أظفور

                                                                                                          ( فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه ) تثنية أذن بضمتين وقد تسكن الذال تخفيفا مؤنثة ، قال الباجي : جعلهما مخرجا لخطايا الرأس مع إفرادهما بأخذ الماء لهما ، ولم يجعل الفم والأنف مخرجا لخطايا الوجه لأنهما مقدمان على الوجه فلم يكن لهما حكم التبع ، وخرجت خطاياهما منهما قبل خروجها من الوجه ، والأذنان مؤخران عن الرأس فكان لهما حكم التبع . اهـ .

                                                                                                          وفيه إشعار بأن خطايا الرأس متعلقة بالسمع ، وأصرح منه حديث أبي أمامة عند الطبراني في الصغير : " وإذا مسح برأسه كفر به ما سمعت أذناه " ( فإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج من تحت أظفار [ ص: 157 ] رجليه ) ولما كانت إزالة النجاسة العينية بإسالة الماء الذي هو الغسل ناسب في ذكر إزالة النجاسة الباطنية التي هي الآثام ذكر الإسالة التي هي الغسل دون المسح .

                                                                                                          ( قال ) صلى الله عليه وسلم ( ثم كان مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة له ) أي زيادة له في الأجر على خروج الخطايا وغفرانها ، ومعلوم ما في المشي والصلاة من الثواب الجزيل ، وهذا الحديث رواه الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه وصححه الحاكم كلهم من هذا الطريق عن عبد الله الصنابحي به .

                                                                                                          وأخرج مسلم عن عثمان مرفوعا : " من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره " .




                                                                                                          الخدمات العلمية