الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                [ ص: 494 ] وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا

                                                                                                                                                                                                ألا تتخذوا : قرئ بالياء على: "لئلا يتخذوا"، وبالتاء على أي: "لا تتخذوا"; كقولك: كتبت إليه أن افعل كذا، "وكيلا": ربا تكلون إليه أموركم، ذرية من حملنا : نصب على الاختصاص، وقيل: على النداء فيمن قرأ: "لا تتخذوا" بالتاء على النهي، يعني: قلنا لهم: لا تتخذوا من دوني وكيلا يا ذرية من حملنا، مع نوح : وقد يجعل "وكيلا ذرية من حملنا" مفعولي تتخذوا، أي: لا تجعلوهم أربابا; كقوله: ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا [ال عمران : 80] ومن ذرية المحمولين مع نوح عيسى وعزير -عليهم السلام- وقرئ : "ذرية من حملنا": بالرفع بدلا من واو "تتخذوا"، وقرأ زيد بن ثابت : "ذرية" بكسر الذال، وروي عنه أنه قد فسرها بولد الولد، ذكرهم الله النعمة في إنجاء ابائهم من الغرق، "إنه": إن نوحا كان عبدا شكورا : قيل: كان إذا أكل قال: الحمد لله الذي أطعمني، ولو شاء أجاعني، وإذا شرب قال: الحمد لله الذي سقاني، ولو شاء أظمأني، وإذا اكتسى قال: الحمد لله الذي كساني، ولو شاء أعراني، وإذا احتذى قال: الحمد لله الذي حذاني، ولو شاء أحفاني، وإذا قضى حاجته قال: الحمد لله الذي أخرج عني أذاه في عافية، ولو شاء حبسه، وروي أنه كان إذا أراد الإفطار، عرض طعامه على من امن به، فإن وجده محتاجا اثره به.

                                                                                                                                                                                                فإن قلت: قوله: إنه كان عبدا شكورا ما وجه ملاءمته لما قبله ؟

                                                                                                                                                                                                قلت: كأنه قيل: لا تتخذوا من دوني وكيلا، ولا تشركوا بي، لأن نوحا -عليه السلام- كان عبدا شكورا، وأنتم ذرية من امن به وحمل معه، فاجعلوه أسوتكم كما جعله آباؤكم أسوتهم، ويجوز أن يكون تعليلا لاختصاصهم والثناء عليهم بأنهم أولاد المحمولين مع نوح، فهم متصلون به، فاستأهلوا لذلك الاختصاص، ويجوز أن يقال ذلك عند ذكره على سبيل الاستطراد.

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية