الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( لكن الأصح ) ( تفضيل الراتبة ) للفرائض ( على التراويح ) ; لأنه صلى الله عليه وسلم واظب على تلك دون هذه فإنه صلاها ثلاث ليال ، فلما كثر الناس في الثالثة تركها خوفا من أن تفرض عليهم .

                                                                                                                            ولا يشكل هذا بحديث الإسراء { هي خمس وهن خمسون لا يبدل القول لدي } لاحتمال أن يكون المخوف افتراض قيام الليل بمعنى جعل التهجد في المسجد جماعة شرطا في صحة النفل في الليل ويومئ إليه قوله في حديث زيد بن ثابت { خشيت أن يكتب عليكم ولو كتب عليكم ما قمتم به ، فصلوا أيها الناس في بيوتكم } فمنعهم من التجميع في المسجد إشفاقا عليهم من اشتراطه ، وأمن مع إذنه في المواظبة على [ ص: 126 ] ذلك في بيوتهم من افتراضه عليهم ، أو يكون المخوف افتراض قيام الليل على الكفاية لا على الأعيان ، فلا يكون ذلك قدرا زائدا على الخمس .

                                                                                                                            أو يكون المخوف افتراض قيام رمضان خاصة ; لأن ذاك كان في رمضان وهو وقت جد وتشمير ، وقيام رمضان غير متكرر في كل يوم في السنة فلا يكون ذلك قدرا زائدا على الخمس ، أو أنه خشى أن يكون افتراضها قد علق في اللوح المحفوظ على دوام إظهارها جماعة ، ولم يخش ذلك في غيرها لعلمه بعدم التعليق ، ومقابل الأصح تفضيل التراويح على الراتبة لسن الجماعة فيها ( و ) الأصح ( أن الجماعة تسن في التراويح ) لما مر من أنه صلى الله عليه وسلم صلاها ليالي وأجمع عليه الصحابة رضي الله عنهم أو أكثرهم .

                                                                                                                            أو أصل مشروعيتها مجمع عليه ، وهي عشرون ركعة بعشر تسليمات في كل ليلة من رمضان ، لما روي أنهم كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب في شهر رمضان بعشرين ركعة . وفي رواية لمالك في الموطأ بثلاث وعشرين .

                                                                                                                            وجمع البيهقي بينهما بأنهم كانوا يوترون بثلاث ، وقد جمع الناس على قيام شهر رمضان الرجال على أبي بن كعب ، والنساء على سليمان بن أبي حثمة ، وقد انقطع الناس عن فعلها جماعة في المسجد إلى ذلك ، وسميت كل أربع منها ترويحة ; لأنهم كانوا يتروحون عقبها : أي يستريحون .

                                                                                                                            قال الحليمي : والسر في كونها عشرين أن الرواتب : أي المؤكدة في غير [ ص: 127 ] رمضان عشر ركعات فضوعفت فيه ; لما مر ، ولأهل المدينة الشريفة فعلها ستا وثلاثين ; لأن العشرين خمس ترويحات ، فكان أهل مكة يطوفون بكل ترويحتين سبعة أشواط ، فجعل أهل المدينة بدل كل أسبوع ترويحة ليساووهم .

                                                                                                                            قالا : ولا يجوز ذلك لغيرهم ; لأن لهم شرفا بهجرته ، وبدفنه صلى الله عليه وسلم وهذا هو الأصح خلافا للحليمي ومن تبعه ، وفعلها بالقرآن في جميع الشهر أولى وأفضل من تكرير سورة الإخلاص ووقتها بعد صلاة العشاء ولو تقديما إلى طلوع الفجر الصادق ، ولا تصح بنية مطلقة كما في الروضة بل ينوي ركعتين من التراويح أو من قيام رمضان .

                                                                                                                            ولو صلى أربعا بتسليمة لم يصح إن كان عامدا عالما ، وإلا صارت نفلا مطلقا ; لأنه خلاف المشروع ، بخلاف سنة الظهر والعصر كما أفتى به المصنف ، وفرق بينهما بأن التراويح أشبهت الفرائض كما مر ، فلا [ ص: 128 ] تغير عما ورد . ويؤخذ منه كما أفاده الوالد رحمه الله تعالى أنه لو أخر سنة الظهر التي قبلها وصلاها بعدها كان له أن يجمعها مع سنته التي بعدها بنية واحدة يجمع فيها بين القبلية والبعدية .

                                                                                                                            قال : بخلاف ما لو نوى سنة عيد الفطر والأضحى حيث لا يجوز ; لأنها قد اشتملت نيته على صلاة واحدة نصفها مؤدى ، ونصفها مقضي ولا نظير له في المذهب ; ولأن صلاة العيد شبيهة بالفرائض فلا تغير عما ورد ، نظير ما مر وما جرت به العادة من زيادة الوقود عند فعل التراويح خصوصا مع تنافس أهل الإسباع في الجامع الأزهر جائز إن كان فيه نفع ، وإلا حرم كما فيه نفع وهو من مال محجور أو وقف لم يشترطه واقفه ولم تطرد العادة به في زمنه وعلمها ، ولو جمع في ثلاث ركعات سنة العشاء ثنتين منها وواحدة الوتر لم يصح خلافا لصاحب البيان .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : الأصح تفضيل الراتبة ) أي المؤكدة وغيرها ، ويلزمه تفضيل الوتر على التراويح لما مر أنه أفضل منها ، وإذا اعتبر هذا مع ما مر من ترتيب النفل الذي لا تشرع فيه الجماعة علمت أن بعد الاستسقاء الوتر ثم ركعتا الفجر ثم باقي الرواتب ثم التراويح ثم الضحى إلى آخر ما مر ( قوله : لأنه صلى الله عليه وسلم ) قضية التعليل بما ذكر أن الأفضل من التراويح هو الراتب المؤكد . وقال شيخنا الزيادي : والمعتمد أنه لا فرق بين المؤكد وغيره ; لأن التابع يشرف بشرف المتبوع ا هـ .

                                                                                                                            وقال ع : ظاهر إطلاقه أنه لا فرق بين المؤكدة وغيرها ، ويحتمل التخصيص بالمؤكدة بدليل التعليل ، وعدم تقييد الشارح لكلام المصنف يوافقه ما قاله شيخنا الزيادي وإن اقتضى تعليله بالمواظبة خلافه ( قوله : ثلاثة ليال ) عبارة المحلي : وروى ابن خزيمة وحبان عن جابر قال { صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ثماني ركعات ثم أوتر } ا هـ . أقول : وأما البقية فيحتمل أنه صلى الله عليه وسلم كان يفعله في بيته قبل مجيئه أو بعده ، وانظر هل الثلاث كانت من أول الشهر أو وسطه أو آخره ؟ فيه نظر ، والظاهر الأول فليراجع .

                                                                                                                            وببعض الهوامش قوله : ثلاث ليال : أي في السنة الثانية حين بقي من رمضان سبع ليال لكن مفرقة ، صلاها ليلة الثالث والعشرين والخامسة والسابعة ثم انتظروه في الثامنة فلم يخرج لهم وقال : خشيت إلخ . ثم رأيت في الإسنوي وعبارته : وعن النعمان بن بشير قال { قمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان ليلة ثلاث وعشرين إلى ثلث الليل ، ثم قمنا معه ليلة خمس وعشرين إلى نصف الليل ، ثم قمنا معه ليلة سبع وعشرين حتى خشينا أن لا ندرك الفلاح } رواه الحاكم في المستدرك وقال : إنه صحيح على شرط البخاري ( قوله : فمنعهم من التجميع إلخ ) وأسلم الأجوبة [ ص: 126 ] ما نقله ع عن الإسنوي من خشية توهم فرضيتها ( قوله : وهو وقت جد وتشمير ) عطف تفسير باعتبار المراد منه ( قوله : ومقابل الأصح إلخ ) والوجهان إذا قلنا باستحباب الجماعة في التراويح ، فإن قلنا بعدم استحباب الجماعة فيها فالرواتب أفضل كما يصرح به كلام المحلي ويشير إلى ذلك قول الشارح : ومقابل الأصح إلخ ( قوله : بعشر تسليمات ) اقتصر على الواجب فلا يقال التسليمات عشرون ( قوله : على عهد عمر إلخ ) انظر في أي سنة كان ذلك ، وقوله أيضا بعد ، وقد جمع إلخ انظر في أي سنة كان أيضا .

                                                                                                                            ثم رأيت في شرح التقريب للعراقي أن جمع عمر إلخ كان سنة أربعة عشر من الهجرة . وقال في جامع الأصول : طعنه أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة مصدر الحاج بالمدينة يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين ودفن يوم الأربعاء غرة المحرم سنة أربع وعشرين وله من العمر ثلاث وستون سنة ، وقيل تسع وخمسون وقيل ثمان وقيل ستة وخمسون وقيل إحدى وستون ، وكانت خلافته عشر سنين ونصفا ، وصلى عليه صهيب ودفن إلى جانب أبي بكر الصديق ا هـ .

                                                                                                                            وفيه : وكانت وفاة أبي بكر ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الأخرى سنة ثلاث عشرة بين المغرب والعشاء وله ثلاث وستون سنة ، وكانت خلافته سنتين وأربعة أشهر ا هـ . ويستفاد منه أن عمر أقر الناس على صلاتهم فرادى رمضانا واحدا بعد موت أبي بكر ، وفي رمضان الثاني جمع الناس فيه على من ذكره ( قوله : والنساء على سليمان ) هو بزيادة ياء قبل الميم تابعي له رواية ، ووالده أبو حثمة بحاء مهملة وثاء مثلثة ، له صحبة من مسلمة الفتح كذا في الإصابة . ا هـ وهي كذلك في نسخ متعددة .

                                                                                                                            وفي بعض النسخ سلمان وهو غير صحيح لما علمت بل هو خطأ ( قوله : وقد انقطع الناس عن فعلها جماعة ) أي وصاروا يفعلونها في بيوتهم ، ويدل له قوله : المتقدم فصلوا أيها الناس في بيوتكم ، ولعله صلى الله عليه وسلم كان يفعلها في بيته ، ويؤيده ما نقله ع حيث قال : قال الإسنوي في الصحيحين إنه صلاها في بيته [ ص: 127 ] بقية الشهر ( قوله : فضوعفت ) لعل المعنى فزيد قدرها وضعفه لا فزيد عليها قدرها ; لأنه ليس كذلك . ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            وهذا كما ترى مبني على أن ضعف الشيء مثله ، أما إذا قيل إن ضعفه مثلاه فلا تأويل ، وهذا الأخير هو المشهور . ( قوله : لما مر ) أي من أنه وقت جد وتشمير إلخ ( قوله : ولأهل المدينة ) أي يجوز لهم وإن كان اقتصارهم على العشرين أفضل . ا هـ شيخنا زيادي ( قوله : فعلها ستا ) .

                                                                                                                            [ فرع ] قال م ر في جواب سائل : المراد بأهل المدينة من بها وإن كانوا غرباء لا أهلها بغيرها ، وأظنه قال لأهلها حكمهم ، وإن كانوا حولها فليتأمل . ا هـ سم على منهج ( قوله ليساووهم ) قال حج : وابتداء حدوث ذلك كان أواخر القرن الأول ثم اشتهر ولم ينكر فكان بمنزلة الإجماع السكوتي ، ولما كان فيه ما فيه قال الشافعي رضي الله عنه : العشرون لهم أحب إلي . ا هـ .

                                                                                                                            وعبارة شيخنا الزيادي : أما أهل المدينة فلهم ستا وثلاثين ، وإن كان اقتصارهم على العشرين أفضل . ا هـ . وعليه فالإجماع إنما هو على جواز الزيادة لا طلبها ، ومع ذلك إذا فعلت يثابون عليها فوق ثواب النفل المطلق كما هو قضية كلامهم وينوون بالجميع التراويح ( قوله : وهذا هو الأصح ) لو فاتت واحدا من أهلها وأراد أن يقضيها في غيرها فعلها ستا وثلاثين وعكسه يفعلها عشرين ; لأن القضاء يحكي الأداء . ا هـ شيخنا زيادي بهامش هو من خط الشيخ أحمد الدواخلي ، وما أنقله دائما عن هامش يكون مرادي به الشيخ أحمد رحمه الله ، وهو ظاهر عملا بما ذكر من قولهم القضاء يحكي الأداء .

                                                                                                                            وعبارة الشيخ الشوبري في حاشيته على التحرير قوله : عشرون ركعة : أي لغير أهل المدينة ، أما أهل المدينة فست وثلاثون . وسئل شيخنا : لو أراد المدني أن يقضي صلاة التراويح أو غيره أن يقضيها في المدينة والأول في غيرها هل يقضيها ستا وثلاثين ؟ وأجاب ظاهر كلامهم اختصاص فعل التراويح ستا وثلاثين بمن كان بالمدينة حال طلبها منه ابتداء وفعلها فيها . ا هـ ( قوله : خلافا للحليمي ) أي حيث قال : ومن اقتدى بأهل المدينة فقام بست وثلاثين فحسن أيضا ; لأنهم إنما أرادوا بما صنعوا الاقتداء بأهل مكة في الاستكثار من الفضل لا المنافسة كما ظن بعضهم . ا هـ شرح روض ( قوله : بل ينوي ركعتين ) قضيته أنه لو لم يتعرض لعدد بل قال أصلي قيام رمضان أو من قيام رمضان لم تصح نيته ، وينبغي خلافه ; لأن التعرض للعدد لا يجب وتحمل نيته على الواجب في التراويح ، وهو ركعتان كما لو قال أصلي الظهر أو الصبح حيث قالوا فيه بالصحة ويحتمل على ما يعتبر فيه من العدد شرعا ( قوله : بخلاف سنة الظهر والعصر ) أي كل منهما فإنه تصح نية الأربع بتسليمة واحدة [ ص: 128 ] قوله : بين القبلية والبعدية ) أي أما لو جمع بين سنة الظهر والعصر بإحرام فلا لاختلاف النوع . ا هـ .

                                                                                                                            وقوله بعد ; لأنها قد اشتملت إلخ قضيته أنه لو جمع بين الظهر والعصر تقديما أو تأخيرا جاز أن يجمع بين سنتيهما بعد فعلهما بإحرام واحد والظاهر خلافه ، ويؤيده قوله : الآتي ولو جمع في ثلاث ركعات سنة إلخ لاختلاف نوعهما مع أن كلا سنة مقصودة في نفسها ، ثم رأيت سم على منهج صرح بما قلناه حيث قال : بخلاف ما لو جمع رواتب فرضين لا يجوز ; لأنهما نوعان ، ولم يعهد أن تكون صلاة بعضها أداء وبعضها قضاء م ر . وأظنه نقله عن فتوى والده ، وقد يؤخذ منه أنه لا يجمع بين سنة العشاء والوتر ; لأنهما نوعان ، وانظر لو جمع أربع الظهر القبلية والبعدية أو جمع الثمان لكن أدرك منها ركعة في آخر الوقت ووقع الباقي خارجه هل يكون الأربع أو الثمان أداء أو لا بد في كونها أداء من وقوع ركعة من كل منهما في الوقت بأن يدرك ثلاثا في الوقت في صورة الأربع وخمسا في صورة الثمان ؟ .

                                                                                                                            قال م ر : ينبغي أن يكون الكل أداء بإدراك ركعة ; لأن المجموع صار في حكم الصلاة الواحدة ، وقوله بأن يدرك ثلاثا إلخ لعل وجه اشتراط الثلاث والخمس أنه يجعل القبلية من الركعتين أو الأربع مستقلة فيشترط وقوعها كلها في الوقت ، والبعدية صلاة أخرى فيكتفى منها بركعة في الوقت ( قوله : شبيهة بالفرائض ) وعلى هذا لو فاته عيد الفطر والأضحى لا يجوز الجمع بينهما بإحرام واحد مع انتفاء العلة الأولى ; لأن الحكم إذا كان معللا بعلتين يبقى ما بقيت إحداهما ، وكذا لو نوى بركعتين العيد والضحى فلا يجوز ; لأنهما سنتان مقصودتان .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 125 - 126 ] ( قوله : أن يكون افتراضها إلخ ) في دفع هذا الإشكال نظر لا يخفى ( قوله : إلى ذلك ) أي جمع عمر رضي الله عنه [ ص: 127 ] قوله : فضوعفت ) أي وجعلت بتضعيفها زيادة في رمضان ، وإلا فالرواتب مطلوبة أيضا في رمضان أو أنه مبني على أن ضعف الشيء مثلاه ( قوله : خلافا للحليمي ) أي في قوله ومن اقتدى بأهل المدينة فقام ستا وثلاثين فحسن أيضا [ ص: 128 ] قوله : نصفها مؤدى ونصفها مقضي ) قضيته أنهما لو كانا مقضيين صح لكن قضية التعليل الآخر خلافه . ( قوله : ولو جمع في ثلاث ركعات سنة العشاء إلخ ) في التعبير قلاقة .




                                                                                                                            الخدمات العلمية