الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في ترتيب منازلهم إذا تنازعه الرجال]

                                                                                                                                                                                        وإن تنازعه الرجال فأولاهم الأب، ثم الأخ، ثم الجد للأب، ثم ابن الأخ، ثم العم، ثم ابن العم، ثم المولى الأعلى، ثم المولى الأسفل، وهذا مع عدم الوصي، فإن كان وصيا قدم على سائر من ذكر من العصبة والموالي، فقدم الجد على ابن الأخ، وإن كان ابن الأخ مقدما عليه في الولاء; لأن الجد أعظم حنانا، وعطفا على ولد ولده من ابن الأخ على عمه، وقياسا على افتراق حكمهما في تغليظ الدية، وقدم الوصي; لأنه مقام باجتهاد الأب، ومن اجتهد فيه الأب لولده أولى. [ ص: 2560 ]

                                                                                                                                                                                        ولو علم أن ذلك كان من الأب لشنآن كان بينه وبين جد الولد أو أخيه، لقدم على الوصي; لأن عليهما في تربية غيرهما لولدهما معرة مع علمنا أن رغبة الأب عنهما لم يكن لحسن نظر. ولو كان الشنآن بينه وبين عم الولد أو ابن عمه، لقدم الوصي; لأنهما يتهمان في عداوته والإساءة إليه لعداوة الأب.

                                                                                                                                                                                        وإن اجتمع إخوة، واختلفت منزلتهم، فأحقهم الأخ الشقيق، ثم الأخ للأم، ثم الأخ للأب على اختلاف فيه هل له حق في الحضانة؟ وكذلك الأخوات إذا اجتمعن فأحقهن الشقيقة، ثم الأخت للأم.

                                                                                                                                                                                        واختلف في الأخت للأب؟ فقيل: لها حق في الحضانة. وروي عن مالك في كتاب المدنيين أنه قال في رجل توفي وترك غلاما، وجارية، وأمهما شتى، فتزوجت أم الغلام، فقالت أخته: أنا آخده وعلي نفقته، أو قالت. وأنفق عليه من ماله. قال: إذا تزوجت أم الغلام أخذه أولياؤه.

                                                                                                                                                                                        قال ابن القاسم: وليس للأخت في ذلك قول. فلم يجعلا للأخت للأب حقا في الحضانة; لأن العادة جارية أن التعاطف والحنان بين الأخوين من الأم، والتباغض والشنآن بينهما إذا كانا من أب لاختلاف ما بين أمهاتهن على ذلك يربون وينشئون، فإن تساوت منزلتهم فكانوا أشقاء أو لأم فأولاهم أقومهم، فإن تساووا فأسنهم، ولم أر للجد للأم في الحضانة نصا، وأرى له في ذلك حقا; لأن له حنانا وعطفا، ولهذا غلظت الدية فيه، وأسقط عنه القود. [ ص: 2561 ]

                                                                                                                                                                                        وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحسن: "إن ابني هذا سيد". ولم يختلف أنه داخل في عموم قوله عز وجل: ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء [النساء: 22] ، وأن ابن البنت داخل في عموم قوله جل ذكره: وحلائل أبنائكم [النساء: 23]. فإن انفرد كانت له الحضانة، وإن شاركه في ذلك أحد نظر أيهما أعطف وأرفق، ولا يعترض ذلك بكونه غير عاصب لتسليمهم للأخ للأم، وتبديته على من له تعصيب كالأخ للأب والعم.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية