الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
6107 - وعنه ، قال : كنت شاكيا ، فمر بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أقول : اللهم إن كان أجلي قد حضر فأرحني ، وإن كان متأخرا فارفغني ، وإن كان بلاء فصبرني . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " كيف قلت ؟ " فأعاد عليه ما قال ، فضربه برجله ، وقال : " اللهم عافه - أو اشفه - " شك الراوي قال : فما اشتكيت وجعي بعد . رواه الترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح .

التالي السابق


6107 - ( وعنه ) ، أي : عن علي ( قال : كنت شاكيا ) ، أي : مريضا ( فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، أي : ذاهبا أو عائدا ( وأنا أقول : اللهم إن كان أجلي ) ، أي : انتهاء عمري ( قد حضر ) ، أي : وقته ( فأرحني ) ، أي : بالموت من الإراحة وهي إعطاء الراحة بنوع إزاحة للبلية ( وإن كان ) ، أي : ( أجلي متأخرا فارفغني ) : بفتح الفاء وسكون الغين المعجمة أي : وسع لي في المعيشة بإعطاء الصحة فإن عافيتك أوسع ، وفي نسخة صحيحة بالعين المهملة ، ويؤيد الأول ما في النهاية في حديث علي : أرفغ لكم المعاش أي : أوسع وعيش رافغ أي : واسع ذكره الطيبي ، وهو مشعر بأن ارفغني من باب الأفعال والله أعلم بالحال . وفي القاموس : الرفغ السعة والخصب ، وزاد في الصحاح يقال : رفغ عيشه رفاغة أي : اتسع فهو عيش رافغ ورفيغ أي : واسع طيب ، وترفغ الرجل توسع في رفاغته من العيش .

قال ميرك : والظاهر أن رفغ لازم فقول الطيبي في الحديث أي : وسع لي عيشي لا يخلو عن تأويل . قلت يعني به الحذف والإيصال ثم قال : والذي صحح في أصل سماعنا : فارفعني بالعين المهملة من الرفع ، ومعناه ظاهر وهو الأنسب بالمقام كما لا يخفى على المتأمل . قلت : إذا وقع حق التأمل في المقام يظهر أنه غير ملائم للمرام ، لأن الرفع المتعدي بمعنى القبض ، ومنه قوله تعالى : ورافعك إلي نعم إن صحت الرواية فيقال التقدير فارفع أي : المرض عني ( وإن كان ) : عطف على إن كان الأول فتأمل ، والمعنى وإن كان المرض ( بلاء ) ، أي : مما قدرت له قضاء ( فصبرني ) بتشديد الموحدة المكسورة أي : أعطني الصبر عليه ولا تجعلني من أهل الجزع لديه ، وفيه إيماء إلى قوله تعالى : واصبر وما صبرك إلا بالله ( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كيف قلت فأعاد ) ، أي : علي ( عليه ما قال ) ، أي : أولا ( فضربه برجله ) ، أي : ليتنبه عن غفلة أمره ، وينتهي عن شكاية حاله وتتصل إليه بركة قدمه وليحصل له كمال متابعته في أثره ( وقال : " اللهم عافه " : بهاء الضمير ، وفي نسخة بهاء السكت وكذا في قوله : ( أو اشفه ) . ( شك الراوي ) : هذا كلام أحد الرواة المتأخرة ، وفيه تنبيه نبيه على أن عليا ونحوه ينبغي أن يقول في مرضه : اللهم عافني أو اشفني من غير ترديد فإن الله تعالى لا مستكره له . ( قال ) ، أي : علي ( فما اشتكيت وجعي ) ، أي : هذاك ( بعد ) . أي : بعد دعائه - صلى الله عليه وسلم - ( رواه الترمذي ، وقال : هذا حديث حسن صحيح ) .

[ ص: 3947 ] قال المؤلف : هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب القرشي ، يكنى أبا الحسن وأبا تراب ، وهو أول من أسلم من الذكور في أكثر الأقوال ، وقد اختلف في سنه يومئذ فقيل : كان له خمس عشرة سنة ، وقيل ثماني سنين ، وقيل عشر سنين ، شهد مع النبي - صلى الله عليه وسلم - المشاهد كلها غير تبوك ، فإنه خلفه في أهله وفيها قال له : " ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى " . كان آدم شديد الأدمة عظيم العينين أقرب إلى القصر من الطول ذا بطن ، كثير الشعر عريض اللحية أصلع أبيض الرأس واللحية ، استخلف يوم قتل عثمان ، وهو يوم الجمعة لثماني عشرة خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين ، وضربه عبد الرحمن بن ملجم المرادي بالكوفة صبيحة الجمعة لسبع عشرة خلت من شهر رمضان سنة أربعين ، ومات بعد ثلاث ليال من ضربته ، وغسله ابناه الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر ، وصلى عليه الحسن ودفن سحرا ، وله من العمر ثلاث وستون سنة ، وقيل خمس وستون ، وقيل سبعون وقيل ثمان وخمسون . وكانت خلافته أربع سنين وتسعة أشهر وأياما ، روى عنه بنوه الحسن والحسين ومحمد وخلائق من الصحابة والتابعين اهـ . ولا يخفى أنه كان مقتضى ما سبق من ترتيب الأبواب أن يذكر هنا بابا في مناقب هؤلاء الأربعة ، ولعله اكتفى بما يذكرون في ضمن العشرة المبشرة ، وسيأتي في حديث علي في حق الأربعة بخصوصهم في أواخر الفصل الثاني .




الخدمات العلمية