الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        620 حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا عبد الواحد قال حدثنا الأعمش قال سمعت أبا صالح يقول سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسا وعشرين ضعفا وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة وحط عنه بها خطيئة فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه اللهم صل عليه اللهم ارحمه ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله في حديث أبي هريرة ( صلاة الرجل في الجماعة ) في رواية الحموي والكشميهني " في جماعة " بالتنكير .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( خمسة وعشرين ضعفا ) كذا في الروايات التي وقفنا عليها ، وحكى الكرماني وغيره أن فيه خمسا وعشرين درجة ، بتأويل الضعف بالدرجة أو الصلاة .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 159 ] قوله : ( في بيته وفي سوقه ) مقتضاه أن الصلاة في المسجد جماعة تزيد على الصلاة في البيت وفي السوق جماعة وفرادى قاله ابن دقيق العيد ، قال : والذي يظهر أن المراد بمقابل الجماعة في المسجد الصلاة في غيره منفردا ، لكنه خرج مخرج الغالب في أن من لم يحضر الجماعة في المسجد صلى منفردا ، قال : وبهذا يرتفع الإشكال عمن استشكل تسوية الصلاة في البيت والسوق . انتهى . ولا يلزم من حمل الحديث على ظاهره التسوية المذكورة ، إذ لا يلزم من استوائهما في المفضولية عن المسجد أن لا يكون أحدهما أفضل من الآخر ، وكذا لا يلزم منه أن كون الصلاة جماعة في البيت أو السوق لا فضل فيها على الصلاة منفردا ، بل الظاهر أن التضعيف المذكور مختص بالجماعة في المسجد ، والصلاة في البيت مطلقا أولى منها في السوق لما ورد من كون الأسواق موضع الشياطين ، والصلاة جماعة في البيت وفي السوق أولى من الانفراد . وقد جاء عن بعض الصحابة قصر التضعيف إلى خمس وعشرين على التجميع ، وفي المسجد العام مع تقرير الفضل في غيره . وروى سعيد بن منصور بإسناد حسن عن أوس المعافري أنه قال لعبد الله بن عمرو بن العاص : أرأيت من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى في بيته ؟ قال : حسن جميل . قال : فإن صلى في مسجد عشيرته ؟ قال : خمس عشرة صلاة . قال : فإن مشى إلى مسجد جماعة فصلى فيه ؟ قال : خمس وعشرون . انتهى . وأخرج حميد بن زنجويه في " كتاب الترغيب " نحوه من حديث واثلة ، وخص الخمس والعشرون بمسجد القبائل . قال : وصلاته في المسجد الذي يجمع فيه - أي الجمعة - بخمسمائة ، وسنده ضعيف .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وذلك أنه إذا توضأ ) ظاهر في أن الأمور المذكورة علة للتضعيف المذكور ، إذ التقدير : وذلك لأنه ، فكأنه يقول : التضعيف المذكور سببه كيت وكيت ، وإذا كان كذلك فما رتب على موضوعات متعددة لا يوجد بوجود بعضها إلا إذا دل الدليل على إلغاء ما ليس معتبرا أو ليس مقصودا لذاته . وهذه الزيادة التي في حديث أبي هريرة معقولة المعنى ، فالأخذ بها متوجه ، والروايات المطلقة لا تنافيها بل يحمل مطلقها على هذه المقيدة ، والذين قالوا بوجوب الجماعة على الكفاية ذهب كثير منهم إلى أن الحرج لا يسقط بإقامة الجماعة في البيوت ، وكذا روي عن أحمد في فرض العين ، ووجهوه بأن أصل المشروعية إنما كان في جماعة المساجد ، وهو وصف معتبر لا ينبغي إلغاؤه فيختص به المسجد ، ويلحق به ما في معناه مما يحصل به إظهار الشعار .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لا يخرجه إلا الصلاة ) أي قصد الصلاة في جماعة ، واللام فيها للعهد لما بيناه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لم يخط ) بفتح أوله وضم الطاء . وقوله : ( خطوة ) ضبطناه بضم أوله ويجوز الفتح ، قال الجوهري : الخطوة بالضم ما بين القدمين ، وبالفتح المرة الواحدة وجزم اليعمري أنها هنا بالفتح ، وقال القرطبي : إنها في روايات مسلم بالضم ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فإذا صلى ) قال ابن أبي جمرة : أي صلى صلاة تامة ، لأنه - صلى الله عليه وسلم - قال للمسيء صلاته " ارجع فصل فإنك لم تصل " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( في مصلاه ) أي في المكان الذي أوقع فيه الصلاة من المسجد ، وكأنه خرج مخرج الغالب ، وإلا فلو قام إلى بقعة أخرى من المسجد مستمرا على نية انتظار الصلاة كان كذلك .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( اللهم ارحمه ) ) أي قائلين ذلك ، زاد ابن ماجه " اللهم تب عليه " وفي الطريق الماضية في باب [ ص: 160 ] مسجد السوق " اللهم اغفر له " واستدل به على أفضلية الصلاة على غيرها من الأعمال لما ذكر من صلاة الملائكة عليه ودعائهم له بالرحمة والمغفرة والتوبة ، وعلى تفضيل صالحي الناس على الملائكة لأنهم يكونون في تحصيل الدرجات بعبادتهم والملائكة مشغولون بالاستغفار والدعاء لهم . واستدل بأحاديث الباب على أن الجماعة ليست شرطا لصحة الصلاة لأن قوله " على صلاته وحده " يقتضي صحة صلاته منفردا لاقتضاء صيغة أفعل الاشتراك في أصل التفاضل ، فإن ذلك يقتضي وجود فضيلة في صلاة المنفرد ، وما لا يصح لا فضيلة فيه . قال القرطبي وغيره : ولا يقال إن لفظة أفعل قد ترد لإثبات صفة الفضل في إحدى الجهتين كقوله تعالى : أحسن مقيلا لأنا نقول إنما يقع ذلك على قلة حيث ترد صيغة أفعل مطلقة غير مقيدة بعدد معين ، فإذا قلنا هذا العدد أزيد من هذا بكذا فلا بد من وجود أصل العدد ، ولا يقال يحمل المنفرد على المعذور لأن قوله " صلاة الفذ " صيغة عموم فيشمل من صلى منفردا بعذر وبغير عذر ، فحمله على المعذور يحتاج إلى دليل . وأيضا ففضل الجماعة حاصل للمعذور لما سيأتي في هذا الكتاب من حديث أبي موسى مرفوعا إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما .

                                                                                                                                                                                                        وأشار ابن عبد البر إلى أن بعضهم حمله على صلاة النافلة ، ثم رده بحديث أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة واستدل بها على تساوي الجماعات في الفضل سواء كثرت الجماعة أم قلت ، لأن الحديث دل على فضيلة الجماعة على المنفرد بغير واسطة فيدخل فيه كل جماعة ، كذا قال بعض المالكية ، وقواه بما روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح إبراهيم النخعي قال : إذا صلى الرجل مع الرجل فهما جماعة لهم التضعيف خمسا وعشرين . انتهى . وهو مسلم في أصل الحصول ، لكنه لا ينفي مزيد الفضل لما كان أكثر ، لا سيما مع وجود النص المصرح به وهو ما رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه ابن خزيمة وغيره من حديث أبي بن كعب مرفوعا صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده ، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل ، وما كثر فهو أحب إلى الله ، وله شاهد قوي في الطبراني من حديث قباث بن أشيم وهو بفتح القاف والموحدة وبعد الألف مثلثة ، وأبوه بالمعجمة بعدها تحتانية بوزن أحمر ، ويترتب على الخلاف المذكور أن من قال بالتفاوت استحب إعادة الجماعة مطلقا لتحصيل الأكثرية ، ولم يستحب ذلك الآخرون ، ومنهم من فصل فقال : تعاد مع الأعلم أو الأورع أو في البقعة الفاضلة ، ووافق مالك على الأخير لكن قصره على المساجد الثلاثة ، والمشهور عنه بالمسجدين المكي والمدني . وكما أن الجماعة تتفاوت في الفضل بالقلة والكثرة وغير ذلك مما ذكر كذلك يفوق بعضها بعضا ، ولذلك عقب المصنف الترجمة المطلقة في فضل الجماعة بالترجمة المقيدة بصلاة الفجر ، واستدل بها على أن أقل الجماعة إمام ومأموم ، وسيأتي الكلام عليه في باب مفرد قريبا إن شاء الله تعالى .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية