الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1185 - مسألة :

                                                                                                                                                                                          وأما الكسوة - فما وقع عليه اسم كسوة : قميص ، أو سراويل ، أو مقنع ، أو قلنسوة ، أو رداء ، أو عمامة ، أو برنس ، أو غير ذلك ، لأن الله تعالى عم ولم يخص .

                                                                                                                                                                                          ولو أراد الله تعالى كسوة دون كسوة لبين لنا ذلك { وما كان ربك نسيا } فتخصيص ذلك لا يجوز .

                                                                                                                                                                                          وروينا عن عمران بن الحصين : أن رجلا سأله عن الكسوة في الكفارة ؟ فقال له عمران : أرأيت لو أن وفدا دخلوا على أميرهم فكسا كل رجل منهم قلنسوة ، قال الناس : إنه قد كساهم ؟ روينا من طريق مسدد عن عبد الوارث التنوري عن محمد بن الزبير عن أبيه - : ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري عن أشعث عن الحسن البصري قال : تجزئ العمامة في كفارة اليمين . [ ص: 344 ]

                                                                                                                                                                                          وهو قول سفيان الثوري ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأبي سليمان .

                                                                                                                                                                                          وقال مالك : لا تجزي إلا ما تجوز فيه الصلاة - وهذا لا وجه له ، لأنه قول بلا برهان - واختلف عن أبي حنيفة في السراويل وحدها ، ولا يجزئ عنده عمامة فقط ، وقالوا : لو أن إنسانا لم يلبس إلا عمامة فقط ، لقال الناس : هذا عريان - : قال أبو محمد : وهذا ليس بشيء لأن الله تعالى لم يقل لنا : اكسوهم ما لا يقع عليهم به اسم عريان { وما كان ربك نسيا } .

                                                                                                                                                                                          ولو أن امرأ لبس قميصا ، وسراويل في الشتاء لقال الناس : هذا عريان - والعجب كله من أبي حنيفة إذ يمنع من أن تجزئ العمامة وهي كسوة ثم يقول : لو كساهم ثوبا واحدا يساوي عشرة أثواب ، أو أعطاهم بغلة ، أو حمارة تساوي عشرة أثواب أجزأه - : ثم تدبرنا هذا - : فرأينا ضرورة أن الكسوة على الإطلاق منافية للعري ، إذ ممتنع محال أن يكون كاسيا عاريا من وجه واحد ، لكن يكون كذلك من وجهين : مثل أن يكون بعضه كاسيا ، وبعضه عاريا أو يكون عليه كسوة تعمه ، ولا تستر بشرته كما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { نساء كاسيات عاريات لا يدخلن الجنة } فصح يقينا أن الكسوة لا يكون معها عري إذا كانت على الإطلاق ، والله تعالى قد أطلقها ، ولم يذكرها بإضافة .

                                                                                                                                                                                          ولا شك في أن من عليه كسوة سابغة إلا أن رأسه عار أو ظهره أو عورته ، أو غير ذلك منه ، فإنه لا يسمى كاسيا ، ولا مكتسيا إلا بإضافة ، فوجب ضرورة أن لا تكون الكسوة إلا عامة لجميع الجسم ، ساترة له عن العيون ، مانعة من البرد ، لأنه بالضرورة يعلم أن من كان في " كانون الأول " مغطى برداء قصب فقط : أنه لا يسميه أحد كاسيا ، بل هو عريان .

                                                                                                                                                                                          وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية