الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى : ( ويكفر عنكم من سيئاتكم ) ففيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : التكفير في اللغة التغطية والستر ، ورجل مكفر في السلاح مغطى فيه ، ومنه يقال : كفر عن يمينه ، أي ستر ذنب الحنث بما بذل من الصدقة ، والكفارة ستارة لما حصل من الذنب .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر " نكفر " بالنون ورفع الراء وفيه وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : أن يكون عطفا على محل ما بعد الفاء .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي ونحن نكفر .

                                                                                                                                                                                                                                            والثالث : أنه جملة من فعل وفاعل مبتدأ بمستأنفة منقطعة عما قبلها .

                                                                                                                                                                                                                                            والقراءة الثانية قراءة حمزة ونافع والكسائي بالنون والجزم ، ووجهه أن يحمل الكلام على موضع قوله : ( فهو خير لكم ) فإن موضعه جزم ، ألا ترى أنه لو قال : وإن تخفوها تكن أعظم لثوابكم ، لجزم فيظهر أن قوله : ( خير لكم ) في موضع جزم ، ومثله في الحمل على موضع الجزم قراءة من قرأ ( من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم ) [الأعراف : 186] بالجزم .

                                                                                                                                                                                                                                            والقراءة الثالثة قراءة ابن عامر وحفص عن عاصم " يكفر " بالياء وكسر الفاء ورفع الراء ، والمعنى : يكفر الله أو يكفر الإخفاء ، وحجتهم أن ما بعده على لفظ الإفراد ، وهو قوله : ( والله بما تعملون خبير ) فقوله ( يكفر ) يكون أشبه بما بعده ، والأولون أجابوا وقالوا : لا بأس بأن يذكر لفظ الجمع أولا ثم لفظ الإفراد ثانيا كما أتى بلفظ الإفراد أولا والجمع ثانيا في قوله : ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا ) [الإسراء : 1] ثم قال : ( وآتينا موسى الكتاب ) [الإسراء : 2] .

                                                                                                                                                                                                                                            ونقل صاحب " الكشاف " قراءة رابعة " وتكفر " بالتاء مرفوعا ومجزوما والفاعل الصدقات .

                                                                                                                                                                                                                                            وقراءة خامسة وهي قراءة الحسن بالتاء والنصب بإضمار " أن " ومعناها : إن تخفوها يكن خيرا لكم ، وأن نكفر عنكم سيئاتكم فهو خير لكم .

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 67 ] المسألة الثالثة : في دخول " من " في قوله : ( من سيئاتكم ) وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : المراد : ونكفر عنكم بعض سيئاتكم لأن السيئات كلها لا تكفر بذلك ، وإنما يكفر بعضها ثم أبهم الكلام في ذلك البعض لأن بيانه كالإغواء بارتكابها إذا علم أنها مكفرة ، بل الواجب أن يكون العبد في كل أحواله بين الخوف والرجاء وذلك إنما يكون مع الإبهام .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أن يكون " من " بمعنى من أجل ، والمعنى : ونكفر عنكم من أجل ذنوبكم ، كما تقول : ضربتك من سوء خلقك أي من أجل ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                            والثالث : أنها صلة زائدة كقوله ( فيها من كل الثمرات ) [البقرة : 266] والتقدير : ونكفر عنكم جميع سيئاتكم . والأول أولى وهو الأصح .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال : ( والله بما تعملون خبير ) وهو إشارة إلى تفضيل صدقة السر على العلانية ، والمعنى أن الله عالم بالسر والعلانية وأنتم إنما تريدون بالصدقة طلب مرضاته ، فقد حصل مقصودكم في السر ، فما معنى الإبداء ! فكأنهم ندبوا بهذا الكلام إلى الإخفاء ليكون أبعد من الرياء .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية