الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 180 ] القول في تأويل قوله ( ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليما حكيما ( 24 ) )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .

فقال بعضهم : معنى ذلك لا حرج عليكم ، أيها الأزواج ، إن أدركتكم عسرة بعد أن فرضتم لنسائكم أجورهن فريضة ، فيما تراضيتم به من حط وبراءة ، بعد الفرض الذي سلف منكم لهن ما كنتم فرضتم .

ذكر من قال ذلك :

9045 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه قال : زعم حضرمي : أن رجالا كانوا يفرضون المهر ، ثم عسى أن تدرك أحدهم العسرة ، فقال الله : ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة .

وقال آخرون : معنى ذلك : ولا جناح عليكم ، أيها الناس ، فيما تراضيتم أنتم والنساء اللواتي استمتعتم بهن إلى أجل مسمى ، إذا انقضى الأجل الذي أجلتموه بينكم وبينهن في الفراق ، أن يزدنكم في الأجل ، وتزيدوا من الأجر والفريضة ، قبل أن يستبرئن أرحامهن .

ذكر من قال ذلك :

9046 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة ، إن شاء أرضاها من بعد الفريضة الأولى - يعني الأجرة التي أعطاها على تمتعه بها - قبل [ ص: 181 ] انقضاء الأجل بينهما ، فقال : " أتمتع منك أيضا بكذا وكذا " فازداد قبل أن يستبرئ رحمها ، ثم تنقضي المدة . وهو قوله : فيما تراضيتم به من بعد الفريضة "

وقال آخرون : معنى ذلك : ولا جناح عليكم ، أيها الناس ، فيما تراضيتم به أنتم ونساؤكم بعد أن تؤتوهن أجورهن على استمتاعكم بهن من مقام وفراق .

ذكر من قال ذلك :

9047 - حدثنا المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة ، والتراضي : أن يوفيها صداقها ثم يخيرها .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : ولا جناح عليكم فيما وضعت عنكم نساؤكم من صدقاتهن من بعد الفريضة .

ذكر من قال ذلك :

9048 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة ، قال : إن وضعت لك منه شيئا فهو لك سائغ .

قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصواب - قول من قال : معنى ذلك : ولا حرج عليكم ، أيها الناس ، فيما تراضيتم به أنتم ونساؤكم من بعد إعطائهن أجورهن على النكاح الذي جرى بينكم وبينهن ، من حط ما وجب لهن عليكم ، أو إبراء ، أو تأخير ووضع . وذلك نظير قوله - جل ثناؤه - : ( وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا ) [ سورة النساء : 4 ] .

فأما الذي قاله السدي : فقول لا معنى له ، لفساد القول بإحلال جماع [ ص: 182 ] امرأة بغير نكاح ولا ملك يمين .

وأما قوله : " إن الله كان عليما حكيما " فإنه يعني : إن الله كان ذا علم بما يصلحكم ، أيها الناس ، في مناكحكم وغيرها من أموركم وأمور سائر خلقه ، " حكيما " فيما يدبر لكم ولهم من التدبير ، وفيما يأمركم وينهاكم ، لا يدخل حكمته خلل ولا زلل .

التالي السابق


الخدمات العلمية