الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وهذه ترجمته

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      هو هارون الرشيد أمير المؤمنين ، ابن المهدي محمد بن المنصور أبي جعفر عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي ، أبو محمد ، ويقال : أبو جعفر . وأمه الخيزران أم ولد ، وكان مولده في شوال سنة ست ، وقيل : سبع ، وقيل : ثمان وأربعين ومائة . وقيل : إنه ولد [ ص: 28 ] سنة خمسين ومائة ، وبويع له بالخلافة بعد موت أخيه موسى الهادي في ربيع الأول سنة سبعين ومائة ، بعهد من أبيه المهدي كما تقدم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      روى الحديث عن أبيه وجده ، وحدث عن المبارك بن فضالة ، عن الحسن ، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اتقوا النار ، ولو بشق تمرة أورده وهو على المنبر ، وهو يخطب الناس . وقد حدث عنه ابنه ، وسليمان الهاشمي ، والد إسحاق ، ونباتة بن عمرو . وكان الرشيد أبيض طويلا سمينا جميلا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد غزا الصائفة في حياة أبيه مرارا ، وعقد الهدنة بين المسلمين ، والروم بعد محاصرته القسطنطينية وقد لقي المسلمون من ذلك جهدا جهيدا ، وخوفا شديدا ، وكان الصلح مع امرأة أليون ، وهي الملقبة بأغسطة على حمل كثير تبذله للمسلمين في كل عام ، ففرح المسلمون في المشارق والمغارب كما تقدم ، فهذا هو الذي حدا أباه على أن بايع له بولاية العهد بعد أخيه موسى الهادي ، وذلك في سنة ست وستين ومائة . ثم لما أفضت الخلافة إليه بعد أخيه في سنة سبعين ومائة ، كان من أحسن الناس سيرة ، وأكثرهم غزوا وحجا بنفسه ، ولهذا قال فيه أبو السعلي :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 29 ]

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فمن يطلب لقاءك أو يرده فبالحرمين أو أقصى الثغور     ففي أرض العدو على طمر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي أرض البنية فوق كور     وما حاز الثغور سواك خلق
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      من المستخلفين على الأمور

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكان يتصدق من صلب ماله في كل يوم بألف درهم ، وإذا حج أحج معه مائة من الفقهاء وأبنائهم ، وإذا لم يحج أحج ثلاثمائة بالنفقة السابغة ، والكسوة التامة ، وكان يحب التشبه بجده أبي جعفر المنصور إلا في العطاء ، فإنه كان سريع العطاء جزيله ، وكان يحب الفقهاء ، والشعراء ، ويعطيهم كثيرا ، ولا يضيع لديه بر ولا معروف ، وكان نقش خاتمه : لا إله إلا الله . وكان يصلي في كل يوم مائة ركعة تطوعا ، إلى أن فارق الدنيا ، إلا أن تعرض له علة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكان ابن أبي مريم المدني هو الذي يضحكه ، وكان عنده فضيلة بأخبار الحجاز ، وغيرها ، وكان الرشيد قد أنزله في قصره ، وخلطه بأهله . نبهه الرشيد يوما إلى صلاة الصبح فقام فتوضأ ثم أدرك الرشيد ، وهو يقرأ وما لي لا أعبد الذي فطرني [ يس : 22 ] فقال ابن أبي مريم : لا أدري والله . فضحك الرشيد ، وقطع الصلاة ، ثم أقبل عليه ، وقال : ويحك ! اجتنب الصلاة والقرآن ، [ ص: 30 ] ولك ما عدا ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ودخل يوما العباس بن محمد على الرشيد ، ومعه برنية من فضة فيها غالية من أحسن الطيب ، فجعل يمدحها ، ويزيد في شكرها ، وسأل من الرشيد أن يقبلها منه فقبلها ، فاستوهبها منه ابن أبي مريم فوهبها له ، فقال له العباس : ويحك ! جئت بشيء منعته نفسي ، وآثرت به سيدي فأخذته . فحلف ابن مريم ليطيبن به استه ، ثم أخذ منها شيئا فطلى به استه ، ودهن جوارحه كلها منها ، والرشيد لا يتمالك نفسه من الضحك . ثم قال لخادم قائم يقال له خاقان : اطلب لي غلامي . فقال الرشيد : ادع له غلامه . فقال له : خذ هذه الغالية ، واذهب بها إلى ستك فمرها فلتطيب منها استها حتى أرجع إليها فأنيكها . فذهب الضحك بالرشيد كل مذهب ، ثم أقبل ابن أبي مريم على العباس بن محمد ، فقال له : جئت بهذه الغالية تمدحها عند أمير المؤمنين الذي ما تمطر السماء شيئا ، ولا تنبت الأرض شيئا إلا وهو تحت تصرفه ، وفي يده ؟ وأعجب من هذا أن قيل لملك الموت : ما أمرك به هذا فأنفذه . وأنت تمدح هذه الغالية عنده كأنه بقال ، أو خباز ، أو طباخ ، أو تمار . فكاد الرشيد يهلك من شدة [ ص: 31 ] الضحك ثم أمر لابن أبي مريم بمائة ألف درهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد شرب الرشيد يوما دواء فسأله ابن أبي مريم أن يلي الحجابة في هذا اليوم ، ومهما حصل له فهو بينه وبين أمير المؤمنين ، فولاه الحجابة ، فجاءت الرسل بالهدايا من كل جانب من عند زبيدة ، والبرامكة ، وكبار الأمراء ، فكان حاصله في هذا اليوم ستين ألف دينار ، فسأله الرشيد في اليوم الثاني عما تحصل ، فأخبره ، قال : فأين نصيبي ؟ قال : معزول . قال : قد صالحتك عليه بعشرة آلاف تفاحة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد استدعى إليه أبا معاوية الضرير محمد بن خازم ليسمع منه الحديث ، قال أبو معاوية : ما ذكرت عنده في حديث رسول الله إلا قال : صلى الله وسلم على سيدي . وإذا سمع حديثا فيه موعظة يبكي حتى يبل الثرى . وأكلت عنده يوما ثم قمت لأغسل يدي فصب الماء علي ، وأنا لا أراه ، ثم قال : يا أبا معاوية ، أتدري من يصب عليك ؟ قلت : لا . قال : أنا . فدعا له أبو معاوية الضرير ، فقال : إنما أردت تعظيم العلم ، وقد حدثه أبو معاوية يوما عن [ ص: 32 ] الأعمش عن أبي صالح ، عن أبي هريرة بحديث : " " احتج آدم ، وموسى " " فقال عم الرشيد : أين التقيا يا أبا معاوية ؟ فغضب الرشيد من ذلك غضبا شديدا ، وقال : أتعترض على الحديث ؟ ! علي بالنطع ، والسيف . فأحضر ذلك ، فقام الناس إليه يشفعون فيه ، فقال الرشيد : هذه زندقة . ثم أمر بسجنه ، وقال : لا يخرج حتى يخبرني من ألقى إليه هذا . فأقسم بالأيمان المغلظة ما قال له أحد وإنما كانت بادرة مني ، فأطلقه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال بعضهم : دخلت على هارون الرشيد وبين يديه رجل مضروب العنق ، والسياف يمسح سيفه في قفا الرجل المقتول ، فقال هارون : قتلته لأنه قال : القرآن مخلوق . فقتلته قربة إلى الله عز وجل . وقال له بعض أهل العلم : يا أمير المؤمنين ، انظر هؤلاء الذين يحبون أبا بكر ، وعمر ، ويقدمونهما فأكرمهم يعز سلطانك . فقال الرشيد : أولست كذلك ؟ ! أنا والله كذلك أحبهما ، وأحب من يحبهما ، وأعاقب من يبغضهما .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال له ابن السماك أو غيره : يا أمير المؤمنين ، إن الله لم يجعل أحدا من هؤلاء فوقك ، فاجتهد أن لا يكون فيهم أحد أطوع إلى الله منك . فقال : لئن كنت أقصرت في الكلام لقد أبلغت في الموعظة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 33 ] ودخل عليه ابن السماك يوما فاستسقى الرشيد فأتي بقلة فيها ماء مبرد ، فقال لابن السماك : عظني . فقال : يا أمير المؤمنين ، بكم كنت مشتريا هذه الشربة لو منعتها ؟ فقال : بنصف ملكي . فقال : اشرب هنيئا . فلما شرب قال : أرأيت لو منعت خروجها من بدنك ، بكم كنت تشتري ذلك ؟ قال : بملكي كله . فقال : إن ملكا قيمته شربة ماء لخليق أن لا يتنافس فيه . فبكى هارون .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن قتيبة : ثنا الرياشي ، سمعت الأصمعي ، يقول : دخلت على الرشيد ، وهو يقلم أظفاره يوم الجمعة ، فقلت له في ذلك ، فقال : أخذ الأظفار يوم الخميس من السنة ، وبلغني أن أخذها يوم الجمعة ينفي الفقر ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، أو تخشى الفقر ؟ ! فقال : يا أصمعي ، وهل أحد أخشى للفقر منى ؟

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وروى ابن عساكر ، عن إبراهيم بن المهدي قال : كنت يوما عند الرشيد فدعا طباخه ، فقال : أعندك في الطعام لحم جزور ؟ قال : نعم ، ألوان منه . فقال : أحضره مع الطعام ، فلما وضع بين يديه أخذ لقمة منه ، فوضعها في فيه ، فضحك جعفر البرمكي ، فترك الرشيد مضغ اللقمة ، وأقبل عليه ، فقال : [ ص: 34 ] مم تضحك ؟ قال : لا شيء يا أمير المؤمنين ، ذكرت كلاما دار بيني وبين جاريتي البارحة . فقال : بحقي عليك لما أخبرتني به . قال : حتى تأكل هذه اللقمة ، فألقاها من فيه ، وقال : والله لتخبرني . فقال : يا أمير المؤمنين ، بكم تقول إن هذا الطعام من لحم الجزور يقوم عليك ؟ قال : بأربعة دراهم . قال : لا ، والله يا أمير المؤمنين ، بل بأربعمائة ألف درهم . قال : وكيف ذلك ؟ قال : إنك طلبت من طباخك هذا لحم جزور قبل هذا اليوم بمدة طويلة فلم يوجد عنده ، فقلت : لا يخلون المطبخ من لحم جزور ، فنحن ننحر كل يوم جزورا ؛ لأنا لا نشتري لحم الجزور من السوق ، فصرف في لحم الجزور من ذلك اليوم إلى هذا اليوم أربعمائة ألف درهم ، ولم يطلب أمير المؤمنين لحم الجزور إلا هذا اليوم ، قال جعفر : فضحكت ؛ لأن أمير المؤمنين إنما ناله من ذلك هذه اللقمة ، فهي على أمير المؤمنين بأربعمائة ألف . قال : فبكى الرشيد بكاء شديدا ، وأقبل على نفسه يوبخها ، ويقول : هلكت والله يا هارون . وأمر برفع السماط من بين يديه ، ولم يزل يبكي حتى آذنه المؤذنون بصلاة الظهر ، فخرج ، فصلى بالناس ، ثم رجع يبكي ، وقد أمر بألفي ألف تصرف إلى فقراء الحرمين ، في كل حرم ألف ألف صدقة ، وأمر بألفي ألف يتصدق بها في جانبي بغداد ؛ الغربي ، والشرقي ، وبألف ألف يتصدق بها على [ ص: 35 ] فقراء الكوفة والبصرة . ثم خرج لصلاة العصر ، ثم رجع يبكي حتى صلى المغرب ، ثم رجع ، فدخل عليه أبو يوسف القاضي ، فقال : ما شأنك يا أمير المؤمنين باكيا في هذا اليوم ؟ فذكر أمره ، وما صرف من المال الجزيل لأجل شهوته ، وإنما ناله منها لقمة ، فقال أبو يوسف لجعفر : هل كان ما يذبحونه من الجزور يفسد ، أو يأكله الناس ؟ قال : بل يأكله الناس . فقال : أبشر يا أمير المؤمنين بثواب الله فيما صرفته من المال الذي أكله المسلمون في الأيام الماضية ، وبما يسره الله عليك من الصدقة في هذا اليوم على الفقراء ، وبما رزقك الله من خشيته وخوفه في هذا اليوم ، وقد قال الله تعالى ولمن خاف مقام ربه جنتان [ الرحمن : 46 ] فأمر له الرشيد بأربعمائة ألف ، ثم استدعى بطعام ، فأكل منه فكان غداؤه في ذلك اليوم عشاء .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال عمرو بن بحر الجاحظ : اجتمع للرشيد من الجد والهزل ما لم يجتمع لغيره ، كان أبو يوسف قاضيه ، والبرامكة وزراءه ، وحاجبه الفضل بن الربيع أنبه الناس ، وأشدهم تعاظما ، ونديمه عم أبيه العباس بن محمد صاحب العباسية ، وشاعره مروان بن أبي حفصة ومغنيه إبراهيم الموصلي واحد [ ص: 36 ] عصره في صناعته وضاربه زلزل ، وزامره برصوما ، وزوجته أم جعفر يعني زبيدة ، وكانت أرغب الناس في كل خير ، وأسرعهم إلى كل بر ومعروف ، أدخلت الماء الحرم بعد امتناعه من ذلك ، إلى أشياء من المعروف .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وروى الخطيب البغدادي أن الرشيد كان يقول : إنا من قوم عظمت رزيتهم ، وحسنت بقيتهم ، ورثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبقيت فينا خلافة الله عز وجل .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وبينما الرشيد يطوف يوما بالبيت إذ عرض له رجل ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إني أريد أن أكلمك بكلام فيه غلظة . فقال : لا ، ولا نعمت عين ، قد بعث الله من هو خير منك إلى من هو شر مني فأمره أن يقول له قولا لينا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وعن شعيب بن حرب ، قال : رأيت الرشيد في طريق مكة فقلت في نفسي : قد وجب عليك الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، فخوفتني ، وقالت : إنه الآن يضرب عنقك . فقلت : لا بد من ذلك . فناديته : فقلت : يا هارون ، قد أتعبت الأمة ، والبهائم . فقال : خذوه . فأدخلت عليه ، وفي يده [ ص: 37 ] لت من حديد يلعب به ، وهو جالس على كرسي ، فقال : ممن الرجل ؟ فقلت : رجل من المسلمين . فقال : ثكلتك أمك ، ممن أنت ؟ فقلت : من الأبناء . فقال : ما حملك على أن دعوتني باسمي ؟ قال : فخطر ببالي شيء لم يخطر ببالي قبل ذلك ، فقلت : أنا أدعو الله باسمه ، يا الله ، يا رحمن أفلا أدعوك باسمك ؟ ! وهذا الله سبحانه قد دعا أحب خلقه إليه باسمه : محمدا ، وكنى أبغض الخلق إليه ، فقال تبت يدا أبي لهب [ المسد : 1 ] فقال الرشيد : أخرجوه أخرجوه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال له ابن السماك يوما : يا أمير المؤمنين ، إنك تموت وحدك ، وتقبر وحدك ، فاحذر المقام بين يدي الجبار ، والوقوف بين الجنة والنار ، حين يؤخذ بالكظم ، وتزل القدم ، ويقع الندم ، فلا توبة تنال ، ولا عثرة تقال ، ولا يقبل فداء بمال . فجعل الرشيد يبكي حتى علا صوته ، فقال يحيى بن خالد له : يا ابن السماك لقد شققت على أمير المؤمنين الليلة . فقام فخرج من عنده ، وهو يبكي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 38 ] وقال له الفضيل بن عياض في جملة موعظته تلك الليلة بمكة : يا صبيح الوجه ، إنك مسئول عن هؤلاء كلهم ، وقد قال الله تعالى وتقطعت بهم الأسباب [ البقرة : 166 ] قال : حدثنا ليث ، عن مجاهد : الوصلات التي كانت بينهم في الدنيا . فبكى حتى جعل يشهق .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الأصمعي : استدعاني الرشيد يوما ، وقد زخرف منازله ، وأكثر الطعام ، والشراب ، واللذات فيها ، ثم استدعى أبا العتاهية ، فقال له : صف لنا ما نحن فيه من العيش ، والنعيم ، فأنشأ يقول :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      عش ما بدا لك سالما     في ظل شاهقة القصور
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يسعى عليك بما اشتهي     ت لدى الرواح وفي البكور
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فإذا النفوس تقعقعت     عن ضيق حشرجة الصدور
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فهناك تعلم موقنا     ما كنت إلا في غرور

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : فبكى الرشيد بكاء شديدا . فقال الفضل بن يحيى : دعاك أمير المؤمنين لتسره فأحزنته ؟ فقال له الرشيد : دعه ؛ فإنه رآنا في عمى فكره أن يزيدنا عمى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومن وجه آخر أن الرشيد قال لأبي العتاهية : عظني بأبيات من الشعر [ ص: 39 ] وأوجز . فأنشأ يقول :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لا تأمن الموت في طرف ولا نفس     ولو تمنعت بالحجاب والحرس
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      واعلم بأن سهام الموت قاصدة     لكل مدرع منها ومترس
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها     إن السفينة لا تجري على اليبس

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : فخر الرشيد مغشيا عليه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد حبس الرشيد مرة أبا العتاهية ، وأرصد عليه من يأتيه بما يقول ، فكتب مرة على جدار الحبس :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أما والله إن الظلم لوم     وما زال المسيء هو الظلوم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إلى ديان يوم الدين نمضي     وعند الله تجتمع الخصوم

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : فاستدعاه واستجعله في حل ، ووهبه ألف دينار ، وأطلقه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الحسين بن الفهم : ثنا محمد بن عباد ، عن سفيان بن عيينة ، قال : دخلت على الرشيد فقال : ما خبرك ؟ فقلت :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بعين الله ما تخفى البيوت     فقد طال التحمل والسكوت

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فقال : يا فلان ، مائة ألف لابن عيينة تغنيه ، وتغني عقبه ، ولا تضر الرشيد شيئا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 40 ] وقال الأصمعي : كنت مع الرشيد في الحج ، فمررنا بواد ، فإذا على شفيره امرأة صبية حسناء بين يديها قصعة ، وهي تسأل فيها ، وتقول :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      طحطحتنا طحاطح الأعوام     ورمتنا حوادث الأيام
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فأتيناكم نمد أكفا     لفضالات زادكم ، والطعام
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فاطلبوا الأجر ، والمثوبة فينا     أيها الزائرون بيت الحرام
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      من رآني فقد رآني ، ورحلي     فارحموا غربتي ، وذل مقامي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال الأصمعي : فذهبت إلى الرشيد فأخبرته بأمرها ، فجاء بنفسه حتى وقف عليها ، فسمعها فرحمها وبكى ، وأمر مسرورا الخادم أن يملأ قصعتها ذهبا ، فملأها حتى جعلت تفيض يمينا ، وشمالا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وسمع مرة الرشيد أعرابيا يحدو إبله في طريق الحج ، وهو يقول :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يا أيها المجمع هما لا تهم     إنك إن تقضى لك الحمى تحم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كيف توقيك وقد جف القلم [ ص: 41 ]     وحطت الصحة منك والسقم

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فقال الرشيد لبعض الخدم : ما معك ؟ قال : أربعمائة دينار . فقال : ادفعها إلى هذا الأعرابي . فلما قبضها ضرب رفيقه بيده على كتفه ، وقال متمثلا :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكنت جليس قعقاع بن عمرو     ولا يشقى بقعقاع جليس

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فأمر الرشيد بعض الخدم أن يعطي المتمثل ما معه من الذهب ، فإذا معه مائتا دينار .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال أبو عبيدة : أصل هذا المثل أن معاوية أهديت له هدية ؛ جامات من ذهب ، ففرقها على جلسائه ، وإلى جانبه قعقاع بن عمرو ، وإلى جانب القعقاع أعرابي لم يفضل له منها شيء ، فأطرق الأعرابي حياء ، فدفع إليه القعقاع الجام الذي حصل له ، فنهض الأعرابي ، وهو يقول :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكنت جليس قعقاع بن عمرو     ولا يشقى بقعقاع جليس

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وخرج الرشيد يوما من عند زبيدة ، وهو يضحك فقيل له : مم تضحك يا أمير المؤمنين ؟ فقال : دخلت إلي هذه المرأة - يعني زوجته زبيدة - فأكلت عندها ، ونمت ، فما استيقظت إلا بصوت ذهب يصب ، فقلت : ما هذا ؟ [ ص: 42 ] قالوا : هذه ثلاثمائة ألف دينار قدمت من مصر . فقالت : هبها لي يابن عم . فقلت : هي لك . ثم ما خرجت حتى عربدت علي ، وقالت : أي خير رأيت منك ؟

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الرشيد مرة للمفضل الضبي : ما أحسن ما قيل في الذئب ، ولك هذا الخاتم ، وشراؤه ألف وستمائة دينار ؟ فأنشد قول الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ينام بإحدى مقلتيه ويتقي     بأخرى الرزايا فهو يقظان هاجع

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فقال : ما قلت هذا إلا لتسلبنا الخاتم . ثم ألقاه إليه ، فبعثت زبيدة فاشترته منه بألف وستمائة دينار ، وبعثت به إلى الرشيد ، وقالت : إني رأيتك معجبا به . فرده إلى المفضل ، والدنانير ، وقال : ما كنا لنهب شيئا ، ونرجع فيه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الرشيد يوما للعباس بن الأحنف : أي بيت قالته العرب أرق ؟ فقال : قول جميل في بثينة :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ألا ليتني أعمى أصم تقودني     بثينة لا يخفى علي كلامها

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فقال له الرشيد : فقولك أرق من هذا حيث قلت :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      طاف الهوى في عباد الله كلهم     حتى إذا مر بي من بينهم وقفا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فقال العباس : فقولك يا أمير المؤمنين أرق من هذا كله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أما يكفيك أنك تملكيني     وأن الناس كلهم عبيدي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 43 ] وأنك لو قطعت يدي ، ورجلي     لقلت من الهوى أحسنت زيدي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : فضحك الرشيد ، وأعجبه ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومن شعر الرشيد في ثلاث حظيات كن عنده من الخواص :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ملك الثلاث الآنسات عناني     وحللن من قلبي بكل مكان
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ما لي تطاوعني البرية كلها     وأطيعهن ، وهن في عصياني
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ما ذاك إلا أن سلطان الهوى     وبه قوين أعز من سلطاني

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومن شعره فيما أورده صاحب العقد في كتابه :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تبدي صدودا وتخفي تحته مقة     فالنفس راضية والطرف غضبان
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يا من بذلت له خدي فزلله     وليس فوقي سوى الرحمن سلطان

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وذكر أبو هفان أنه كان في دار الرشيد من الجواري ، والحظايا ، وخدمهن ، وخدم زوجته ، وأخواته أربعة آلاف جارية ، وأنهن حضرن كلهن يوما بين يديه ، وغنته المطربات فطرب جدا ، وأمر بمال فنثر عليهن ، فكان [ ص: 44 ] مبلغه ستة آلاف ألف درهم في ذلك اليوم . رواه ابن عساكر .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وروى أنه اشترى جارية من المدينة فأعجب بها جدا ، فأمر بإحضار مواليها ، ومن يلوذ بهم ليقضي حوائجهم ، فقدموا في ثمانين نفسا ، فأمر الحاجب الفضل بن الربيع أن يتلقاهم ، ويكتب حوائجهم ، فكان فيهم رجل أعرابي قد أقام بالمدينة ، وهو يهوى تلك الجارية ، فقال له الحاجب : ما حاجتك ؟ قال : حاجتي أن يجلسني أمير المؤمنين مع فلانة فأشرب ثلاثة أرطال من شراب ، فتغنيني ثلاثة أصوات . فقال : أمجنون أنت ؟ فقال : لا ، ولكن اعرض ذلك على أمير المؤمنين . فلما رجع إلى الخليفة ، ذكر له ما قال ذلك الرجل ، فأمر بإحضاره ، وأن تجلس معه الجارية بحيث ينظر إليهما ، فجلست على كرسي ، والخدام بين يديها وجلس الرجل على كرسي ، فشرب رطلا ، وقال لها : غنيني :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      خليلي عوجا بارك الله فيكما     وإن لم تكن هند بأرضكما قصدا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقولا لها ليس الضلال أجازنا     ولكننا جزنا لنلقاكم عمدا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      غدا يكثر الباكون منا ، ومنكم     وتزداد داري من دياركم بعدا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فغنته ثم استعجله الخادم فشرب رطلا آخر ، وقال : غنيني ، جعلت فداك :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 45 ]

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تكلم منا في الوجوه عيوننا     فنحن سكوت ، والهوى يتكلم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ونغضب أحيانا ونرضى بطرفنا     وذلك فيما بيننا ليس يعلم

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فغنته ، ثم شرب رطلا ثالثا ، وقال : غنيني جعلني الله فداك :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أحسن ما كنا تفرقنا     وخاننا الدهر ، وما خنا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فليت ذا الدهر لنا مرة     عاد لنا يوما كما كنا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : ثم قام الشاب إلى درجة هناك فعلاها ، ثم ألقى نفسه من أعلاها على أم رأسه فمات . فقال الرشيد : عجل الفتى ، والله لو لم يعجل لوهبتها له .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفضائله ، ومكارمه ، ومآثره ، وأشعاره كثيرة جدا ، قد أورد الأئمة من ذلك شيئا كثيرا ، وقد ذكرنا من ذلك أنموذجا صالحا ، ولله الحمد . وقد كان الفضيل بن عياض يقول : ليس أحد أعز علينا من موت هارون الرشيد وإني لأدعو الله أن يزيد في عمره من عمري . قالوا : فلما مات الرشيد ، وظهرت تلك الفتن والاختلافات ، والقول بخلق القرآن ، عرفنا ما كان يحمل الفضيل على ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد تقدم ما رآه في منامه من ذلك ، وفيه تربة حمراء ، وقائل يقول : هذه تربة أمير المؤمنين وكانت بطوس . وقد روى ابن عساكر أن الرشيد رأى في منامه قائلا يقول :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كأني بهذا القصر قد باد أهله      . . . . . . . . . .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 46 ] الشعر إلى آخره .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد تقدم أن ذلك رآه أخوه موسى الهادي ، وأبوه محمد المهدي ، فالله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقدمنا أنه أمر بحفر قبره في حياته ، وأمر بقراءة ختمة فيه ، وأنه حمل حتى نظر إليه فجعل يقول : إلى هاهنا تصير يابن آدم! ويبكي ، وأمر أن يوسع عند صدره ، وأن يمد من عند رجليه ، ثم جعل يقول ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه [ الحاقة : 28 ، 29 ] ويبكي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ويقال : إن آخر ما تكلم به حين احتضر : اللهم انفعنا بالإحسان ، واغفر لنا الإساءة ، يا من لا يموت ، ارحم من يموت .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكان مرضه بالدم ، وقيل : بالسل . وكان جبريل بن بختيشوع يكتمه ما به من العلة ، فأمر الرشيد رجلا أن يأخذ ماءه في قارورة ، ويذهب به إلى جبريل فيريه إياه ، على أنه لمريض عنده ، فلما رآه قال لرجل عنده : هذا مثل ماء ذلك الرجل . ففهم صاحب القارورة من عنى به ، فقال له : بالله عليك أخبرني عن حال صاحب هذا الماء ؛ فإن لي عليه مالا ، فإن كان به رجاء ، وإلا أخذته منه . فقال : اذهب فتخلص منه ؛ فإنه لا يعيش إلا أياما . فلما جاء ، وأخبر الرشيد ، بعث إلى جبريل فتغيب حتى مات الرشيد . وقد قال الرشيد في هذه الحال :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إني بطوس مقيم ما لي     بطوس حميم أرجو إلهي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لما بي فإنه بي رحيم [ ص: 47 ]     لقد أتاني بطوس
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قضاؤه المحتوم     وليس إلا رضائي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      والصبر والتسليم

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      مات بطوس يوم السبت لثلاث خلون من جمادى الآخرة سنة ثلاث وتسعين ومائة . وقيل : إنه توفي في جمادى الأولى . وقيل : في ربيع الأول . وله من العمر خمس ، وقيل : ست ، وقيل : سبع ، وقيل : ثمان وأربعون سنة . ومدة ولايته للخلافة ثلاث وعشرون سنة ، وشهر ، وثمانية عشر يوما . وقيل : وثلاثة أشهر . وصلى عليه ابنه صالح ، ودفن بقرية من قرى طوس يقال لها سناباذ رحمه الله ، وسامحه ، وأدخله الجنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال بعضهم : قرأت على خيام الرشيد بسناباذ ، والناس منصرفون من طوس من بعد موته :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      منازل العسكر معمورة     والمنزل الأعظم مهجور
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      خليفة الله بدار البلى     تسفي على أجداثه المور
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أقبلت العير تباهي به     وانصرفت تندبه العير

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد رثاه أبو الشيص فقال :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 48 ]

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      غربت في الشرق شمس     فلها العينان تدمع
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ما رأينا قط شمسا     غربت من حيث تطلع

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد رثاه الشعراء بقصائد . قال أبو الفرج ابن الجوزي في " " المنتظم " " : وقد خلف الرشيد من الميراث ما لم يخلفه أحد من الخلفاء ، من الجواهر ، والأثاث ، والأمتعة سوى الضياع ، والدور ما قيمته مائة ألف ألف دينار ، وخمسة وثلاثون ألف ألف دينار . قال ابن جرير وكان في بيت المال لمصالح الناس تسعمائة ألف ألف ، ونيف .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ذكر زوجاته ، وبنيه ، وبناته

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تزوج أم جعفر زبيدة بنت عمه جعفر بن أبي جعفر المنصور ، في سنة خمس وستين ومائة في حياة أبيه المهدي ، فولدت له محمدا الأمين ، وماتت في سنة ست عشرة ومائتين كما سيأتي . وتزوج أمة العزيز أم ولد كانت لأخيه موسى الهادي فولدت له علي بن الرشيد . وتزوج أم محمد بنت صالح المسكين ، والعباسة بنت عمه سليمان بن أبي جعفر ، فزفتا إليه في ليلة واحدة سنة سبع [ ص: 49 ] وثمانين ومائة بالرقة . وتزوج عزيزة بنت الغطريف ، وهي بنت خاله أخي أمه الخيزران وتزوج ابنة عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان العثمانية ، ويقال لها : الجرشية . لأنها ولدت بجرش باليمن . وتوفي الرشيد عن أربع حرائر : زبيدة ، وعباسة ، وابنة صالح ، والعثمانية هذه . وأما الحظايا من الجواري فكثير جدا حتى قال بعضهم : إنه كان عنده في داره أربعة آلاف جارية .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأما أولاده الذكور فمحمد الأمين بن زبيدة ، وعبد الله المأمون من جارية اسمها مراجل ، ومحمد أبو إسحاق المعتصم من أم ولد يقال لها : ماردة ، والقاسم المؤتمن من جارية يقال لها : قصف . وعلي أمه أمة العزيز ، وصالح من جارية اسمها رثم ، ومحمد أبو يعقوب ، ومحمد أبو عيسى ، ومحمد أبو العباس ، ومحمد أبو علي ، كل هؤلاء من أمهات أولاد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومن الإناث سكينة من قصف ، وأم حبيب من ماردة ، وأروى ، وأم الحسن ، وأم محمد حمدونة ، وفاطمة ، وأمها غصص ، وأم سلمة ، وخديجة ، وأم القاسم ، ورملة ، وأم علي ، وأم الغالية ، وريطة ، كلهن من أمهات أولاد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية