الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمت الله ليريكم من آياته إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور

الرؤية في قوله: "ألم تر" رؤية العين يتركب عليها النظر والاعتبار، والمخاطب محمد صلى الله عليه وسلم والمراد الناس أجمع. و"الفلك" جمع وواحد بلفظ واحد. وقرأ موسى بن [ ص: 61 ] الزبير : "الفلك" بضم اللام. وقوله: "ألم تر" يحتمل أن يريد ما تحمله السفن من الطعام والأرزاق، فالباء للإلصاق، ويحتمل أن يريد: بالريح وتسخير الله تعالى البحر ونحو هذا، فالباء باء السبب. وقرأ الجمهور: "بنعمة"، وقرأ ابن أبي عبلة : "بنعمات" بفتح النون وكسر العين.

وذكر تعالى من صفة المؤمن الصبار والشكور على الضراء والسراء، وقال الشعبي : "الصبر نصف الإيمان، والشكر نصفه الآخر، واليقين الإيمان كله".

وغشي: غطى، أو قارب، و"الظلل": السحاب، وقرأ محمد بن الحنفية : "كالظلال" ومنه قول النابغة يصف البحر:


يماشيهن أخضر ذو ظلال ... على حافاته فلق الدنان



ووصف تعالى في هذه الآية حالة البشر الذين لا يعتبرون حق العبرة، والقصد بالآية تبيين آية تشهد العقول بأن والأصنام والأوثان لا شركة لها فيها ولا مدخل.

وقوله تعالى: فمنهم مقتصد ، قال الحسن: منهم مؤمن يعرف حق الله تعالى في هذه النعم، وقال مجاهد : يريد: فمنهم مقتصد على كفره، أي: منهم من يسلم لله تعالى ويفهم نحو هذا من القدرة، وإن ضل في الأصنام من جهة أنه يعظمها بسيرته ولسانه.

و"الختار" : القبيح الغدر، وذلك أن نعم الله تعالى على العباد كأنها عهود ومنن يلزم عنها أداء شكرها والعبادة لمسديها، فمن كفر ذلك وجحد به فكأنه ختر وخان، ومن الختر قول عمرو بن معدي يكرب الزبيدي:


فإنك لو رأيت أبا عمير ...     ملأت يديك من غدر وختر



وقال الحسن: الختار هو الغدار. و"كفور" بناء مبالغة.

التالي السابق


الخدمات العلمية