الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( والمزدلفة كلها موقف إلا وادي محسر ) [ ص: 484 ] لما روينا من قبل . قال ( فإذا طلعت الشمس أفاض الإمام والناس معه حتى يأتوا منى ) قال العبد الضعيف عصمه الله تعالى : هكذا وقع في نسخ المختصر وهذا غلط . والصحيح أنه إذا أسفر أفاض الإمام والناس ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام دفع قبل طلوع الشمس .

التالي السابق


( قوله والمزدلفة إلخ ) وهي تمتد إلى وادي محسر بكسر السين المشددة قبلها حاء مهملة مفتوحة . والمستحب أن يقف وراء الإمام بقزح ، قيل هو المشعر الحرام . وفي كلام الطحاوي إن للمزدلفة ثلاثة أسماء : المزدلفة ، والمشعر الحرام ، وجمع . والمأزمان بوادي محسر ، وأول محسر من القرن المشرف من الجبل الذي على يسار الذاهب إلى منى ، سمي به لأن فيل [ ص: 484 ] أصحاب الفيل أعيا فيه ، وأهل مكة يسمونه وادي النار .

قيل لأن شخصا اصطاد فيه فنزلت نار من السماء فأحرقته ، وآخره أول منى ، وهي منه إلى العقبة التي يرمي بها الجمرة يوم النحر ، وليس وادي محسر من منى ولا من المزدلفة

فالاستثناء في قوله ومزدلفة كلها موقف إلا وادي محسر منقطع .

واعلم أن ظاهر كلام القدوري والهداية وغيرهما في قولهم مزدلفة كلها موقف ، إلا وادي محسر ، وكذا عرفة كلها موقف إلا بطن عرنة أن المكانين ليسا مكان وقوف ، فلو وقف فيهما لا يجزيه كما لو وقف في منى سواء قلنا إن عرنة ومحسرا من عرفة ومزدلفة أو لا ، وهكذا ظاهر الحديث الذي قدمنا تخريجه ، وكذا عبارة الأصل من كلام محمد . ووقع في البدائع : وأما مكانه : يعني الوقوف بمزدلفة فجزء من أجزاء مزدلفة ، إلا أنه لا ينبغي أن ينزل في وادي محسر .

وروى الحديث ثم قال : ولو وقف به أجزأه مع الكراهة ، وذكر مثل هذا في بطن عرنة : أعني قوله إلا أنه لا ينبغي أن يقف في بطن عرنة لأنه عليه الصلاة والسلام نهى عن ذلك وأخبر أنه وادي الشيطان ا هـ .

ولم يصرح فيه بالإجزاء مع الكراهة كما صرح به في وادي محسر . ولا يخفى أن الكلام فيهما واحد ، وما ذكره غير مشهور من كلام الأصحاب ، بل الذي يقتضيه كلامهم عدم الإجزاء ، وأما الذي يقتضيه النظر إن لم يكن إجماع على عدم إجزاء الوقوف بالمكانين هو أن عرنة ووادي محسر إن كانا من مسمى عرفة والمشعر الحرام يجزي الوقوف بهما ، ويكون مكروها لأن القاطع أطلق الوقوف بمسماهما مطلقا ، وخبر الواحد منعه في بعضه فقيده ، والزيادة عليه بخبر الواحد لا تجوز فيثبت الركن بالوقوف في مسماهما مطلقا ، والوجوب في كونه في غير المكانين المستثنيين وإن لم يكونا من مسماهما لا يجزي أصلا ، وهو ظاهر والاستثناء منقطع .

هذا وأول وقت الوقوف بمزدلفة إذا طلع الفجر من يوم النحر ، وآخره طلوع الشمس منه ، فلا يجوز قبل الفجر عندنا ، والمبيت بمزدلفة ليلة النحر سنة ( قوله وهذا غلط ) هو كما قال ، وقد تقدم في غير حديث { أنه عليه الصلاة والسلام أفاض حين أسفر قبل طلوع الشمس } كحديث جابر الطويل وغيره ، فارجع إلى استقرائها . وعن محمد في حده إذا صار إلى طلوع الشمس قدر ركعتين دفع ، وهذا بطريق التقريب ، وهو مروي عن عمر هذا حال الوقوف . أما المبيت بها فسنة لا شيء عليه في تركه . ولا يشترط النية للوقوف كوقوف عرفة ، ولو مر بها بعد طلوع الفجر من غير أن يبيت بها جاز ولا شيء عليه لحصول الوقوف ضمن المرور كما في عرفة .

ولو وقف بعد ما أفاض الإمام قبل طلوع الشمس ( بمزدلفة ) أجزأه ولا شيء عليه كما لو وقف بعد إفاضة الإمام . ولو دفع قبل الناس أو قبل أن يصلي الفجر بعد [ ص: 485 ] الفجر لا شيء عليه إلا أنه خالف السنة إذ السنة مد الوقوف إلى الإسفار والصلاة مع الإمام




الخدمات العلمية