الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                578 579 580 581 582 ص: وقد تابعهما على ما ذهبا إليه من هذا قوم.

                                                حدثنا ابن خزيمة ، قال: نا حجاج ، قال: نا حماد ، عن حماد الكوفي ، عن إبراهيم: " ، أن ابن مسعود - رضي الله عنه - كان يقرئ رجلا، فلما انتهى إلى شاطئ الفرات كف عنه الرجل، فقال له: ما لك؟ قال: أحدثت. قال: اقرأ فجعل يقرأ، وجعل يفتح عليه". .

                                                [ ص: 232 ] حدثنا ابن خزيمة، قال: نا حجاج ، قال: ثنا حماد ، عن عاصم الأحول ، عن عروة ، عن سلمان: " أنه أحدث، فجعل يقرأ، فقيل له: أتقرأ وقد أحدثت؟ قال: نعم إني لست بجنب". .

                                                حدثنا سليمان بن شعيب ، قال: نا عبد الرحمن بن زياد ، قال: نا شعبة ، قال: "سألت قتادة عن الرجل يقرأ القرآن وهو غير طاهر. فقال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: كان أبو هريرة ربما قرأ السورة وهو غير طاهر".

                                                حدثنا مرزوق ، قال: نا وهب ، عن شعبة ، عن قتادة ، عن سعيد ، عن أبي هريرة ... مثله.

                                                حدثنا ابن خزيمة، قال: نا حجاج ، قال: نا همام ، عن قتادة ..... فذكر بإسناده مثله.

                                                فقد ثبت بتصحيح ما روينا نسخ حديث ابن عباس ومن تابعه، وثبوت حديث علي - رضي الله عنه - على ما قد شده من أقوال الصحابة، فبذلك نأخذ، فنكره للجنب والحائض قراءة الآية تامة، ولا نرى بذلك بأسا للذي على غير وضوء، ولا نرى لهم جميعا بأسا بذكر الله -عز وجل-.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي وقد تابع ابن عباس وابن عمر على ما ذهبا إليه من إباحة ذكر الله من غير طهر قوم من الصحابة، وهم: عبد الله بن مسعود ، وسلمان الفارسي ، وأبو هريرة .

                                                وأخرج أثر ابن مسعود بإسناد صحيح، عن محمد بن خزيمة ، عن الحجاج بن منهال ، عن حماد بن سلمة ، عن حماد بن أبي سليمان الكوفي ، عن إبراهيم النخعي .

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" مختصرا، عن وكيع ، عن شعبة ، عن حماد ، عن إبراهيم ، عن عبد الله: "أنه كان معه رجل، فبال ثم جاء، فقال له ابن مسعود: اقرأه".

                                                [ ص: 233 ] وأخرج عبد الرزاق في "مصنفه" : عن معمر ، عن عطاء الخراساني، قال: "كان ابن مسعود يفتح على الرجل وهو يقرأ، ثم قام فبال فأمسك الرجل عن القراءة، فقال له ابن مسعود: ما لك؟! اقرأ، وكان يفتح عليه فقرأ".

                                                قوله: "إلى شاطئ الفرات" أي إلى جنبه. قال الجوهري: شاطئ الوادي وشطه: جانبه، والفرات نهر مشهور أوله من شمالي أرمينية الروم آخر بلاد الروم ، وآخره يصب في بطائح كبار في فضاء العراق بعد الكوفة .

                                                قوله: "فجعل" معناه: شرع، وتستعمل استعمال "كاد"، تقول: جعل زيد يفعل كذا، وكذلك "أخذ"، وقد يجيء جملة إسمية، وفعلا ماضيا، وهما نادران.

                                                قوله: "يفتح عليه" يعني يرد عليه إذا توقف في القراءة، ويلقنه، ويأخذ منه.

                                                وأخرج أثر سلمان أيضا من طريق صحيح، عن محمد بن خزيمة ، عن حجاج ابن المنهال ، عن حماد بن سلمة ، عن عاصم بن سليمان الأحول ، عن عروة بن الزبير بن العوام .

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" : من وجه آخر، عن وكيع ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن زيد بن معاوية ، عن علقمة والأسود: "أن سلمان قرأ عليهما بعد الحدث".

                                                وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" : عن ابن عيينة ، عن أبي إسحاق، قال: سمعت علقمة بن قيس يقول: "دخلنا على سلمان، فقرأ علينا آيات من القرآن على غير وضوء".

                                                وأخرج أثر أبي هريرة من ثلاث طرق صحاح:

                                                الأول: عن. سليمان بن شعيب الكيساني ، عن عبد الرحمن بن زياد الرصاصي الثقفي ، عن شعبة ... إلى آخره.

                                                [ ص: 234 ] وأخرجه عبد الرازق في "مصنفه" : عن معمر ، عن قتادة ، عن ابن المسيب قال: "ربما سمعت أبا هريرة يقرأ ويحدر السورة وإنه لغير متوضئ".

                                                قوله: "وهو غير طاهر" أي غير متوضئ، وتشهد لذلك رواية عبد الرزاق .

                                                الثاني: عن إبراهيم بن مرزوق ، عن وهب بن جرير .. إلى آخره.

                                                وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه" : عن ابن نمير ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب: "أن أبا هريرة كان يخرج من المخرج ثم يحدر السورة".

                                                الثالث: عن محمد بن خزيمة ، عن حجاج بن المنهال ، عن همام بن يحيى ، عن قتادة .

                                                قوله: "نسخ حديث ابن عباس" وهو الحديث الذي مر ذكره في أوائل الباب، الذي تمسك به أهل المقالة الثانية.

                                                وأراد بمن تابعه: ابن عمر ، والمهاجر بن قنفذ ، وأبا الجهم بن الحارث .

                                                وأراد بحديث علي- رضي الله عنه - قوله: "كان رسول الله - عليه السلام - يقرأ القرآن على كل حال إلا الجنابة".

                                                قوله: "على ما قد شده" أي حديث علي "من أقوال الصحابة" وكلمة "من" زائدة، وهي تراد في الإثبات والنفي جميعا؛ فافهم.

                                                قوله: "فبذلك نأخذ" أي بحديث علي نأخذ، وهو إباحة الذكر والقراءة للمحدث بالحدث الأصغر.

                                                قوله: "فنكره" أي إذا كان الأمر كذلك؛ نكره للجنب والحائض "قراءة الآية تامة"، أي حال كونها تامة، والمراد كراهة التحريم، وفهم منه أن لهما قراءة ما دون الآية، وعامة المشايخ على أنه تستوي في الكراهة الآية التامة وما دونها، وعلله صاحب "البدائع" بإطلاق الحديث، وبأن المانع تعظيم القرآن، ومحافظة حرمته، وهذا لا يوجب الفصل بين القليل والكثير.

                                                [ ص: 235 ] قلت: نظر الطحاوي في أن المتعلق بالقرآن حكمان: جواز الصلاة، ومنع الجنب والحائض عن قراءته، ثم في حق أحد الحكمين تفصيل بين الآية وما دونها، فكذلك في الحكم الآخر.

                                                وفي "المبسوط": قول أبي سماعة مثل قول الطحاوي، وفي "الجامع" لنجم الدين الزاهدي: وأطلق الطحاوي ما دون الآية للحائض والنفساء والجنب، وهو رواية أبي سماعة عن أبي حنيفة، وعليه الأكثرون، وفي "التجنيس": ويستوي في القراءة الآية وما دونها، وهو الصحيح يعني في الحرمة، وقال أيضا: إذا حاضت المعلمة فينبغي لها أن تعلم الصبيان كلمة كلمة، وتقطع بين الكلمتين، على قول الكرخي، وعلى قول الطحاوي: تعلم نصف آية، ثم تقطع، ثم تعلم نصف آية، ولا يكره لها التهجي بالقرآن، وكذا لا يكره دعاء القنوت، كذا في "المحيط".

                                                وذكر الحلواني ، عن أبي حنيفة: لا بأس للجنب أن يقرأ الفاتحة على وجه الدعاء. قال الهندواني: لا أفتي بهذا، وإن روي عنه.

                                                وفي "العيون": لا بأس للجنب أن يقرأ الفاتحة على وجه الدعاء، أو شيئا من الآيات التي فيها معنى الدعاء.

                                                قوله: "ولا يرى لهم" أي للجنب، والحائض، والذي على غير وضوء.




                                                الخدمات العلمية