الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                [ ص: 210 ] الطرف الرابع : في كيفية الاستنجاء .

                                                                                                                يكره الاستنجاء باليمين إلا لضرورة ؛ لما في البخاري عنه عليه السلام أنه قال : ( لا يمسك أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول ، ولا يتمسح من الخلاء بيمينه ، ولا يتنفس في الإناء ) .

                                                                                                                فيبدأ بغسل يده اليسرى قبل الملاقاة لأنه أبعد عن علوق النجاسة بيده ، ثم يغسل محل البول أولا لئلا تتنجس يده بالبول . قال صاحب الطراز : إلا أن تكون عادته إدرار البول عند غسل محل الغائط ، فلا فائدة حينئذ بتعجيله ، ثم ينتقل إلى محل الغائط ، ويرسل الماء ، ويوالي الصب على يده غاسلا بها المحل ، ويسترخي قليلا ليتمكن من الإنقاء ، ويجيد العرك حتى تزول اللزوجة ، ولا يضره بقاء الرائحة بيده .

                                                                                                                وأما الأحجار فيستنجي بثلاثة أحجار لكل مخرج ؛ لما في البخاري : ( من استجمر ، فليوتر ) .

                                                                                                                ويبدأ بمخرج البول كما تقدم ، وإن أنقى بدونها أجزأه خلافا ش ; لأن الواحد وتر فيخرج به عن العهدة ، وقال أبو الفرج ، والشيخ إسحاق : يلزمه طلبها ؛ لما في مسلم : ( لا يستجمر أحدكم بدون ثلاثة أحجار ) ولأنها حكم شرعي فيتوقف على سببه كسائر الأحكام .

                                                                                                                والحجر الذي له ثلاثة شعب يجزئ ، وقال ابن شعبان : لا بد من ثلاثة أحجار .

                                                                                                                وتتعين الزيادة على الثلاثة إن لم يحصل الإنقاء .

                                                                                                                قال صاحب الطراز : في صفة الاستجمار ثلاثة مذاهب ؛ أحدها : أن يمسح بكل حجر من الثلاث جملة المخرج ، وهو قول أكثر العلماء ، وثانيها : يمسح بالأول الجهة اليمنى ، ثم يديره حتى يتناهى إلى مؤخر اليسرى ، ويبدأ بالحجر الثاني من مقدم اليسرى حتى ينتهي إلى مؤخر اليمين ، ثم يديره حتى ينتهي إلى مقدمها ، ويدير الثالث على جميعها ؛ لما روى في ذلك مالك أنه عليه السلام قال : ( يقبل [ ص: 211 ] بحجر ، ويدبر بحجر ، ويحلق بثالث ) .

                                                                                                                وهذا خلاف ما عهد في الزمن القديم ، وفيه الأعراب الجلف ، ولم يلزموا بتحديد مع عمومه ، وعموم البلوى .

                                                                                                                فروع أربعة :

                                                                                                                الأول : الاستبراء واجب ؛ لما في البخاري أنه عليه السلام مر بحائط من حيطان مكة ، أو المدينة ، فسمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما ، فقال عليه السلام : ( إن هذين يعذبان ، وما يعذبان في كبير ، ثم قال : بلى كان أحدهما لا يستنثر من بوله ، وكان الآخر يمشي بالنميمة بين الناس ) ورواه أبو داود . يستتر قال الهروي في الغريبين : الرواية يستنثر ، من الاستنثار وهو الجذب ، والنثر ، ومعنى ذلك أنه يشرع في الوضوء قبل خروج جميع البول فيخرج البول بعده فيصلي بغير وضوء فيلحقه العذاب .

                                                                                                                لكن ليس عليه أن يقوم ، ويقعد ، ويتنحنح لكن يفعل ما يراه كافيا في حاله ، ويستبرئ ذلك بالنفض ، والسلت الخفيف ، وروى ابن المنذر مسندا أنه عليه السلام قال : ( إذا بال أحدكم ، فلينتر ذكره ثلاثا ، ويجعله بين أصبعين : السبابة ، والإبهام فيمرها من أصله إلى كمرته ) .

                                                                                                                الثاني : لو ترك الاستنجاء ، والاستجمار وصلى بالنجاسة أعاد الصلاة أبدا إذا كان عامدا قادرا ، أو يعيد في الوقت على قاعدة إزالة النجاسة ، ولمالك - رحمه الله - في العتبية : لا إعادة عليه ؛ لما في البخاري : ( من استجمر ، فليوتر ) ورواية أبي داود : ( من فعل فقد أحسن ، ومن لا فلا حرج ) والوتر يتناول المرة الواحدة ، فإذا نفاها لم يبق شيء ، ولأنه محل تعم به البلوى فيعفى عنه كدم البراغيث قال اللخمي : يتخرج على الخلاف في إزالة النجاسة قال ابن الجلاب في هذه الصورة : أستحب له أن يعيد وضوءه وصلاته في الوقت . قال صاحب الطراز : كأن ابن الجلاب راعى في ذلك استخراج النجاسة من غضون الشرج فيكون محدثا ، فلذلك أمر بإعادة الوضوء .

                                                                                                                الثالث : إذا عرق في الثوب بعد الاستجمار . قال صاحب الطراز وابن [ ص: 212 ] رشد : يعفى عنه لعموم البلوى ، وقد عفي عن ذيل المرأة تصيبه النجاسة مع إمكان شيله ، فهذا أولى ، ولأن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يستجمرون ، ويعرقون ، وقال ابن القصار : ينجس لتعدي النجاسة محل العفو .

                                                                                                                الرابع : قال صاحب الطراز : لو لم يذكر الاستجمار حتى فرغ من تيممه قبل الصلاة استجمر ، وأعاد التيمم ، فإن صلى قبل إعادة التيمم ، فلا يجزئه ; لأن التيمم لا بد أن يتصل بالصلاة ، وقد فرقه بإزالة النجو ، ويحتمل أن يجزئه كمن تيمم ، ثم وطئ نعله على روث ، فإنه يمسحه ، ويصلي .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية