الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( و ) الجماعة ( في المسجد لغير المرأة ) والخنثى ( أفضل ) منها خارجة لخبر { أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة } أي فهي في المسجد أفضل ; لأنه مشتمل على الشرف والطهارة ، وإظهار الشعار ، وكثرة الجماعة ، وشمل كلامه ما لو كانت جماعة المسجد أقل من جماعة غيره وهو مقتضى قولهم إن جماعة المسجد ، وإن قلت أفضل منها خارجه ، وإن كثرت ، وبه [ ص: 140 ] صرح الماوردي وأفتى به الوالد رحمه الله تعالى ، ويدل له الخبر المار وهو مخصص لخبر ابن حبان وغيره ، وما كان أكثر فهو أحب إلى الله تعالى ، وإن عكسه القاضي أبو الطيب ورجحه بعض المتأخرين بأن المحافظة على الفضيلة المتعلقة بالعبادة أولى من المحافظة على الفضيلة المتعلقة بمكانها . ويجاب عنه بأن الفضيلة المتعلقة بالعبادة وهي الجماعة موجودة في كل منهما ، أما المرأة والخنثى فجماعتهما في بيوتهما أفضل لخبر { لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن } ويكره لها حضور جماعة المسجد إن كانت مشتهاة ولو في ثياب مهنة ، أو غير مشتهاة وبها شيء من الزينة أو الريح الطيب ، وللإمام أو نائبه منعهن حينئذ كما له منع من تناول ذا ريح كريه من دخول المسجد ، ويحرم عليهن بغير إذن ولي أو حليل أو سيد أو هما في أمة متزوجة ومع خشية فتنة منها أو عليها ، وللآذن لها في الخروج حكمها ، وفيما بحث من إطلاق إلحاق الأمرد الجميل بها في ذلك أيضا نظر ظاهر .

                                                                                                                            وتحصل فضيلة الجماعة للشخص بصلاته في بيته بزوجة أو ولد أو رقيق أو غيرهم ، بل بحث الإسنوي والأذرعي أن ذهابه إلى المسجد لو فوتها على أهل بيته مفضول وأن إقامتها لهم أفضل ، ونظر فيه بأن فيه إيثارا بقربة مع إمكان تحصيلها بإعادتها معهم ، ويرد بأن [ ص: 141 ] الفرض فواتها لو ذهب للمسجد ، وذلك إيثار فيه ; لأن حصولها لهم بسببه ربما عادل فضلها في المسجد أو زاد عليه فهو كمساعدة المجرور من الصف .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : لخبر { أفضل صلاة المرء في بيته } ) أي صلاته في بيته ( قوله : فهي في المسجد أفضل ) أي إلا إذا [ ص: 140 ] حصلت الجماعة في البيت دون المسجد فهي فيه أفضل . ا هـ حج ( قوله : ويدل له الخبر المار ) هو قوله : أفضل صلاة المرء إلخ ( قوله : وما كان أكثر ) صدر الحديث ما ذكره الدميري وغيره من رواية ابن حبان المذكورة { صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده ، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كان } إلخ ( قوله : بأن ) متعلق برجحه ( قوله : موجودة في كل منهما ) يمكن أن يقال : إن الفضيلة المتعلقة بالعبادة ، وهي كمال درجات الجمع الكثير على القليل غير موجودة فيهما ويكون هذا مراد القاضي . ا هـ سم على منهج بالمعنى .

                                                                                                                            ( قوله : وبيوتهن خير لهن ) فإن قلت : إذا كانت خيرا لهن فما وجه النهي عن منعهن المستلزم لذلك الخبر ؟ قلت : أما النهي فهو للتنزيه كما يصرح به سياق هذا الحديث ، ثم الوجه حمله على زمنه صلى الله عليه وسلم أو على غير المشتهيات إذا كن مبتذلات . ا هـ ابن حجر . ثم قضية كلام الشارح أن جماعة النساء في بيوتهن أفضل وإن كن مبتذلات غير مشتهيات ، ولكن لو حضرن لا يكره لهن الحضور .

                                                                                                                            وقوله مبتذلات يحتمل قراءته بسكون الموحدة ثم بفتح الفوقية ، ويحتمل تقديم التاء الفوقية على الباء الموحدة ثم تشديد الذال المكسورة .

                                                                                                                            قال في المصباح : ابتذلت الشيء امتهنته ، ثم قال : والتبذل خلاف التصاون : أي الصيانة . انتهى ( قوله : إن كانت مشتهاة ) ومن المشتهيات الشابة وإن لم تكن ذات ريح ; لأن هيئتها تعلم وعبارة البهجة : وتحضر العجوز ، قال شيخ الإسلام : إن أذن لها زوجها إن كان ولم تتزين ولم تتطيب ، ثم قال : وخرج بالعجوز : أي غير المشتهاة الشابة والمشتهاة فيكره لهما الحضور كما مر في صلاة الجماعة . ا هـ . ( قوله : وللإمام إلخ ) أي يجوز له على ما أفاده قوله : وللإمام إلخ ، ولو قيل بوجوبه حيث رآه مصلحة لم يكن بعيدا ; لأنه يجب عليه رعاية المصالح العامة ( قوله : ويحرم عليهن بغير إذن ولي ) أي في الخلية ، وقوله أو حليل : أي في المتزوجة ، ثم قضية العطف بأو أنه لا يشترط لجواز الخروج إذنهما ، وينبغي اشتراط اجتماعهما في الإذن حيث كان ثم ريبة ; لأن المصلحة قد تظهر للولي دون الحليل أو عكسه .

                                                                                                                            ( قوله : ومع خشية فتنة ) عطف على قوله بغير إذن ولي فلا يتوقف حرمة الحضور على عدم الإذن . ( قوله : حكمها ) أي حكمها في الخروج للجماعة فيكره له الإذن حيث كره حضورها إلى آخر ما تقدم . ( قوله : نظر ظاهر ) قد يمنع ما ذكر من النظر ، ويوجه البحث بأن [ ص: 141 ] الافتنان بالأمرد أغلب منه بالمرأة لمخالطة الأمرد للرجال إذا دخل المسجد على وجه يؤدي إلى ذلك ، ولعل هذا وجه تعبيره بقوله وفيما بحث من إطلاق إلخ .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : وهو مقتضى قولهم إلخ ) فيه أمور : منها أن المقتضي بالكسر والمقتضى بالفتح هنا متحدان ولا بد من اختلافهما كما هو واضح . ومنها أنه صريح في أنهم مصرحون بما ذكر وليس كذلك كما يعلم مما سيذكره عن فتاوى والده التي تصرف فيها هذا التصرف .

                                                                                                                            ومنها أن قوله ويدل له إلخ بعد نقل ما ذكر عن إفتاء والده يوهم أنه ليس فيها وليس كذلك . وعبارة الفتاوى سئل هل الأفضل الجماعة القليلة في المسجد أم الكثيرة في غيره ؟ فأجاب بأن مقتضى كلامهم أن الجماعة في المسجد وإن قلت أفضل منها خارجه وإن كثرت ، وبه صرح الماوردي ويدل له خبر الصحيحين { فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة } وهو [ ص: 140 ] مخصص إلى قوله موجودة في كل منهما ( قوله : موجودة في كل منهما ) أي وفضيلة المكان سالمة من المعارض ( قوله : وفيما بحث من إطلاق إلحاق الأمرد الجميل بها ) في ذلك نظر ظاهر : أي بل إنما يلحق بها في بعض الأحوال لا على [ ص: 141 ] الإطلاق ، ولعله إذا خشي به الافتتان وأفصح به الشيخ في الحاشية .




                                                                                                                            الخدمات العلمية