الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      مسألة [ ظهور الإجماع بالفعل وسكوت الآخرين عليه ] وأما ظهوره بالفعل وحده بأن يتفق أهل الحل والعقد على عمل ، ولم يصدر منهم قول ، فاختلفوا على مذاهب . أحدها : أنه كفعل الرسول صلى الله عليه وسلم ; لأن العصمة تابعة لإجماعهم كثبوتها للشارع ، فكانت أفعالهم كأفعاله ، وقطع به الشيخ أبو إسحاق وغيره ، وقال في المنخول " : إنه المختار ، وقال أبو الحسين في المعتمد " : يجوز اتفاقهم على القول والفعل والرضى ، ويخبرون عن الرضى في أنفسهم ، فيدل على حسن ما رضوا به ، وقد يجمعون على ترك الفعل ، وترك الفعل يدل على أنه واجب ويجوز أن ما تركوه مندوب إليه ; لأن تركه غير محظور ، وتابعه في المحصول " . [ ص: 476 ] والمذهب الثاني : المنع ، ونقله إمام الحرمين عن القاضي ، قال : بل ربما أنكر تصوره ، إذ لا يتصور تواطؤ قوم لا يحصون عددا على فعل واحد من غير أرب ، فالتواطؤ عليه غير ممكن . نعم ، آحادهم يرتكبون ذلك في أوقات متغايرة ، وذلك لا يعد توافقا أصلا ، فإن تكلف متكلف تصوره في مجلس واحد ، فلا احتفال به لإمكان أن يختص به ، وليس في نفس الفعل دلالة على انتسابه إلى الشرع ، والقول مصرح بانتسابه إلى الشرع ، فإذن ليس في الفعل دلالة على كونه صوابا . ا هـ .

                                                      واعلم أن الذي رأيته في التقريب " للقاضي التصريح بالجواز ، فقال : كل ما أجمعت الأمة عليه يقع بوجهين : إما قول ، وإما فعل ، وكلاهما حجة . انتهى . والمذهب الثالث : قول إمام الحرمين بأنه يحمل على الإباحة ما لم تقم قرينة دالة على الندب أو الوجوب ، فإنا نعلم أن الواحد من التابعين لو باشر فعلا ، فروجع فيه ، فقال : كيف لا أفعله ، وقد فعله المهاجرون والأنصار قبل المشورة عليه ، والعادة أيضا تدل على مثل ذلك ، فإن الأمة إذا اتفقت على فعل ، وتكرر الفعل فيما بينهم ، فإن كان معصية اشتهر كونه معصية ، ولا يخفى ، قال إلكيا : والحق ما قاله ، فليلتحق بمسائل الإجماع ، وقال القرافي : إنه تفصيل حسن . والمذهب الرابع : قول ابن السمعاني : إن كل فعل خرج مخرج الحكم والبيان لا ينعقد به الإجماع ، كما أن ما لم يخرج من أفعال الرسول مخرج الشرع لا يثبت فيه الشرع ، وأما الذي خرج من الأفعال مخرج الحكم والبيان يصح أن ينعقد به الإجماع ; لأن الشرع يؤخذ من فعل الرسول عليه السلام ، كما يؤخذ من قوله ، ولا بد من مجيء التفصيل بين أن ينقرض العصر أو لا ، ومن اشترطه في القولي فهاهنا أولى . [ ص: 477 ]

                                                      مسألة : وقد يتركب من القول والفعل بأن يقول بعضهم : هذا مباح ، ويقدم الباقي على إباحته بالفعل ، فيعلم أنه إجماع منهم ، وإن كان بعضهم قائلا ، وبعضهم فاعلا ، قاله القاضي عبد الوهاب . تنبيه : إذا فعل أهل الإجماع فعلا ، ولم يعلم أنهم فعلوه على وجه الوجوب أو الندب . فعلام يحمل ؟ توقف بعضهم فيها من جهة النقل ، والذي يقتضيه قياس المذهب أن حكمه حكم الفعل من الرسول صلى الله عليه وسلم ; لأنا قد أمرنا باتباعهم ، كما أمرنا باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية