الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب كيفية شهود الشهر قال الله تعالى : فمن شهد منكم الشهر فليصمه وقال تعالى : يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وحدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا سليمان بن داود قال : حدثنا حماد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الشهر تسع وعشرون ، ولا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه ، فإن غم عليكم فاقدروا له قال : وكان ابن عمر إذا كان شعبان تسعا وعشرين نظر له ، فإن رئي فذلك ، وإن لم ير ولم يحل دون منظره سحاب أو قترة أصبح مفطرا ، وإن حال دون منظره سحاب أو قترة أصبح صائما . قال : وكان ابن عمر يفطر مع الناس ولا يأخذ بهذا الحساب قال أبو بكر : قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صوموا لرؤيته " موافق لقوله تعالى : يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج واتفق المسلمون على معنى الآية والخبر في اعتبار رؤية الهلال في إيجاب صوم رمضان ، فدل ذلك على أن رؤية الهلال هي شهود الشهر .

وقد دل قوله : يسألونك عن الأهلة على أن الليلة التي يرى فيها الهلال من الشهر المستقبل دون الماضي ، وقد اختلف في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : فإن غم عليكم فاقدروا له فقال قائلون : " أراد به اعتبار منازل [ ص: 250 ] القمر ، فإن كان في موضع القمر ، لو لم يحل دونه سحاب وقترة ورئي يحكم له بحكم الرؤية في الصوم والإفطار ، وإن كان على غير ذلك لم يحكم له بحكم الرؤية " .

وقال آخرون : " فعدوا شعبان ثلاثين يوما " أما التأويل الأول فساقط الاعتبار لا محالة لإيجابه الرجوع إلى قول المنجمين ومن تعاطى معرفة منازل القمر ومواضعه ، وهو خلاف قول الله تعالى : يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج فعلق الحكم فيه برؤية الأهلة ، ولما كانت هذه عبادة تلزم الكافة لم يجز أن يكون الحكم فيه متعلقا بما لا يعرفه إلا خواص من الناس ممن عسى لا يسكن إلى قولهم . والتأويل الثاني هو الصحيح ، وهو قول عامة الفقهاء وابن عمر راوي الخبر ، وقد ذكر عنه في الحديث أنه لم يكن يأخذ بهذا الحساب .

وقد بين في حديث آخر معنى قوله " فاقدروا له " بنص لا تأويل فيه ، وهو ما حدثنا عبد الباقي بن قانع قال : حدثنا محمد بن العباس المؤدب قال : حدثنا شريح بن النعمان قال : حدثنا فليح بن سليمان عن نافع عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عنده شهر رمضان فقال : لا تصوموا حتى تروا الهلال ، فإن غم عليكم فاقدروا ثلاثين فأوضح هذا الخبر معنى قوله " فاقدروا " بما سقط به تأويل المتأولين .

ويدل على بطلان تأويلهم أيضا ما رواه حماد بن سلمة عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته ، فإن حال بينكم وبين منظره سحاب أو قترة فعدوا ثلاثين فأمر عليه السلام بعد ثلاثين مع جواز الرؤية لو لم يحل بيننا وبينه سحاب أو قترة ، ولم يوجب الرجوع إلى قول من يقول لو لم يحل بيننا وبينه حائل من سحاب أو غيره لرأيناه .

وقد روي في ذلك أيضا ما هو أوضح من هذا ، وهو ما حدثنا عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس قال : حدثنا يونس بن حبيب قال : حدثنا أبو داود الطيالسي قال : حدثنا أبو عوانة عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : صوموا رمضان لرؤيته فإن حال بينكم غمامة أو ضبابة فأكملوا عدة شهر شعبان ثلاثين ولا تستقبلوا رمضان بصوم يوم من شعبان فأوجب عد شعبان ثلاثين عند حدوث الحائل بيننا وبين رؤيته من سحاب أو نحوه .

فالقائل باعتبار منازل القمر وحساب المنجمين خارج عن حكم الشريعة . وليس هذا القول مما يسوغ الاجتهاد فيه ، لدلالة الكتاب ونص السنة وإجماع الفقهاء بخلافه ، وقوله صلى الله عليه وسلم صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين هو أصل في اعتبار الشهر ثلاثين ، إلا أن يرى قبل ذلك الهلال ، فإن كل شهر غم علينا هلاله فعلينا أن نعده ثلاثين .

هذا في سائر الشهور التي يتعلق بها الأحكام ، وإنما يصير إلى أقل من ثلاثين برؤية الهلال ؛ ولذلك قال أصحابنا : " من أجر داره عشرة أشهر وهو في بعض الشهر أنه يكون تسعة أشهر بالأهلة وشهر ثلاثين يوما يكمل الشهر الأول من آخر شهر بمقدار نقصانه ؛ لأن الشهر الأول ابتداؤه بغير هلال فاستوفى له ثلاثين يوما ، وسائر الشهور بالأهلة فلم يعتبر غيرها " وقالوا : " لو آجره في أول الشهر لكانت كلها بالأهلة " .

وقد اختلف في الشهادة على رؤية الهلال ، فقال أصحابنا جميعا تقبل في رؤية هلال رمضان شهادة رجل عدل إذا كان في السماء علة ، وإن لم تكن في السماء علة لم يقبل إلا شهادة الجماعة الكثيرة التي يوجب خبرها العلم " وقد حكي عن أبي يوسف أنه حد في ذلك خمسين رجلا . وكذلك هلال شوال وذي الحجة إذا لم يكن بالسماء علة ، فإن كان بالسماء علة لم يقبل فيها إلا شهادة عدلين يقبل مثلهما في الحقوق .

وقال مالك والثوري والأوزاعي والليث والحسن بن حي وعبيد الله : " لا يقبل في هلال رمضان وشوال إلا شهادة عدلين " . وقال المزني عن الشافعي : " إن شهد على رؤية هلال رمضان عدل واحد رأيت أن أقبله للأثر فيه ، والاحتياط والقياس في ذلك أن لا يقبل إلا شاهدان ، ولا أقبل على رؤية هلال الفطر إلا عدلين " .

قال أبو بكر : إنما اعتبر أصحابنا إذا لم يكن بالسماء علة شهادة الجمع الكثير الذين يقع العلم بخبرهم ؛ لأن ذلك فرض قد عمت الحاجة إليه ، والناس مأمورون بطلب الهلال ، فغير جائز أن يطلبه الجمع الكثير ولا علة بالسماء مع توافي هممهم وحرصهم على رؤيته ، ثم يراه النفر اليسير منهم ولا يراه الباقون مع صحة أبصارهم وارتفاع الموانع عنهم ، فإذا أخبر بذلك النفر اليسير منهم دون كافتهم علمنا أنهم غالطون غير مصيبين ، فإما أن يكونوا رأوا خيالا فظنوه هلالا أو تعمدوا الكذب ؛ إذ جواز ذلك عليهم غير ممتنع .

وهذا أصل صحيح تقضي العقول بصحته وعليه مبنى أمر الشريعة ، والخطأ فيه يعظم ضرره ويتوصل به الملحدون إلى إدخال الشبهة على الأغمار والحشو وعلى من لم يتيقن ما ذكرنا من الأصل ؛ ولذلك قال أصحابنا : " ما كان من أحكام الشريعة بالناس حاجة إلى معرفته فسبيل ثبوته الاستفاضة والخبر الموجب للعلم ، وغير جائز إثبات مثله بأخبار الآحاد ، نحو إيجاب الوضوء من مس الذكر ومس المرأة والوضوء مما مست النار والوضوء مع عدم تسمية الله عليه " فقالوا : لما كانت البلوى [ ص: 252 ] @@@@عامة من كافة الناس بهذه الأمور ونظائرها ، فغير جائز أن يكون فيه حكم الله تعالى من طريق التوقيف إلا وقد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ووقف الكافة عليه ، وإذا عرفته الكافة فغير جائز عليها ترك النقل والاقتصار على ما ينقله الواحد منهم بعد الواحد ؛ لأنهم مأمورون بنقله ، وهم الحجة على ذلك المنقول إليهم ، وغير جائز لها تضييع موضع الحجة ؛ فعلمنا بذلك أنه لم يكن من النبي صلى الله عليه وسلم توقيف في هذه الأمور ونظائرها .

وجائز أن يكون كان منه قول يحتمل المعاني فحمله الناقلون الأفراد على الوجه الذي ظنوه دون الوجه الآخر ، نحو الوضوء من مس الذكر يحتمل غسل اليد على نحو قوله صلى الله عليه وسلم : إذا استيقظ أحدكم من منامه فليغسل يده ثلاثا قبل أن يدخلها في الإناء فإنه لا يدري أين باتت يده .

وقد بينا أصل ذلك في أصول الفقه . وبتضييع هذا الأصل دخلت الشبهة على قوم في انتحالهم القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم نص على رجل بعينه واستخلفه على الأمة ، وأن الأمة كتمت ذلك ، وأخفته ؛ فضلوا وأضلوا وردوا معظم شرائع الإسلام ، وادعوا فيه أشياء ليست لها حقيقة ولا ثبات لا من جهة نقل الجماعات ولا من جهة نقل الآحاد ، وطرقوا للملحدين أن يدعوا في الشريعة ما ليس منها ، وسهلوا للإسماعيلية والزنادقة السبيل إلى استدعاء الضعفة والأغمار إلى أمر مكتوم زعموا حين أجابوهم إلى تجويز كتمان الإمامة مع عظمها في النفوس وموقعها من القلوب ، فحين سمحت نفوسهم بالإجابة إلى ذلك وضعوا لهم شرائع زعموا أنها من المكتوم ، وتأولوها تأويلات زعموا أن ذلك تأويل الإمام ، فسلخوهم من الإسلام وأدخلوهم في مذهب الخزمية في حال والصابئين في أخرى على حسب ما صادفوا من قبول المستجيبين لهم وسماحة أنفسهم بالتسليم لهم ما ادعوه .

وقد علمنا أن مجوز كتمان ذلك لا يمكنه إثبات نبوة النبي صلى الله عليه وسلم ولا تصحيح معجزاته وكذلك سائر الأنبياء ؛ لأن مثلهم مع كثرة عددهم واختلاف هممهم وتباعد أوطانهم إذا جاز عليهم كتمان أمر الإمامة فجائز عليهم أيضا التواطؤ على الكذب ؛ إذ كان ما يجوز فيه التواطؤ على الكتمان فجائز فيه التواطؤ على وضع خبر لا أصل له ، فيوجب ذلك أن لا نأمن أن يكون المخبرون بمعجزات النبي صلى الله عليه وسلم كانوا متواطئين على ذلك كاذبين فيه كما تواطئوا على كتمان النص على الإمام .

ومن جهة أخرى أن الناقلين لمعجزات النبي صلى الله عليه وسلم هم الذين زعمت هذه الفرقة الضالة أنها كفرت ، وارتدت بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بكتمانها أمر الإمام ، وأن الذين لم يرتدوا منهم كانوا خمسة أو ستة ، [ ص: 253 ] وخبر هذا القدر من العدد لا يوجب العلم ولا تثبت به معجزة ، وخبر الجم الغفير والجمهور الكثير منهم غير مقبول عندهم لجواز اجتماعهم عندهم على الكذب ، فصار صحة النقل مقصورة على العدد اليسير ، فلزمهم دفع معجزات النبي صلى الله عليه وسلم وإبطال نبوته .

فإن قيل أمر الأذان والإقامة ورفع اليدين في تكبير الركوع وتكبيرات العيدين وأيام التشريق مما عمت البلوى به ؛ وقد اختلفوا فيه ، فكل من يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيئا فإنما يرويه من طريق الآحاد ، فلا يخلو حينئذ ذلك من أحد وجهين : إما أن يكون لم يكن من النبي صلى الله عليه وسلم توقيف للكافة مع عموم الحاجة إليه .

وفي هذا ما يبطل أصلك الذي بنيت عليه من أن كل ما بالناس إليه حاجة عامة فلا بد أن يكون من النبي صلى الله عليه وسلم توقيف الأمة عليه ، أو أن يكون قد كان من النبي صلى الله عليه وسلم توقيف للكافة على شيء بعينه فلم تنقله حين ورد إلينا من طريق الآحاد ، وفي ذلك هدم قاعدتك أيضا في اعتبار نقل الكافة فيما عمت به البلوى قيل له : هذا سؤال من لم يضبط الأصل الذي بنينا عليه الكلام في المسألة ، وذلك أنا قلنا ذلك فيما يلزم الكافة ويكونون متعبدين فيه بفرض لا يجوز لهم تركه ولا مخالفته ، وذلك مثل الإمامة والفروض التي تلزم العامة ، أما ما ليس بفرض فهم مخيرون في أن يفعلوا ما شاءوا منه ، وإنما الخلاف بين الفقهاء فيه في الأفضل منه وليس على النبي صلى الله عليه وسلم توقيفهم على الأفضل مما خيرهم فيه ؛ وهذا سبيل ما ذكرت من أمر الأذان والإقامة وتكبير العيدين والتشريق ونحوها من الأمور التي نحن مخيرون فيها ، وإنما الخلاف بين الفقهاء في الأفضل منها ؛ فلذلك جاز ورود بعض الأخبار فيه من طريق الآحاد ، ويحمل الأمر على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان منه جميع ذلك تعليما منه وجه التخيير ، وليس ذلك مثل ما قد وقفوا عليه وحظر عليهم مجاوزته وتركه إلى غيره مع عموم بلواهم به ، فالذي ذكرناه من الخبر عن رؤية الهلال إذا لم تكن بالسماء علة من الأصل الذي قدمنا أن ما عمت به البلوى فسبيل وروده أخبار التواتر الموجبة للعلم ؛ وأما إذا كان بالسماء علة فإن مثله يجوز خفاؤه على الجماعة حتى لا يراه منهم إلا الواحد والاثنان من خلل السحاب إذا انجاب عنه لم يستره قبل أن يتبينه الآخرون ؛ فلذلك قبل فيه خبر الواحد والاثنين ولم يشترط فيه ما يوجب العلم .

وإنما قبل أصحابنا خبر الواحد في هلال رمضان ، لما حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا موسى بن إسماعيل قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن سماك بن حرب [ ص: 254 ] ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أنهم شكوا في هلال رمضان مرة فأرادوا أن لا يقوموا ولا يصوموا ، فجاء أعرابي من الحرة فشهد أنه رأى الهلال ، فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ؟ قال : نعم وشهد أنه رأى الهلال ؛ فأمر بلالا أن ينادي في الناس ، فنادى في الناس أن يقوموا وأن يصوموا .

قال أبو داود : وأن يقوموا ، كلمة لم يقلها إلا حماد بن سلمة . وحدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا محمود بن خالد وعبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي وأنا بحديثه أتقن قالا : حدثنا مروان بن محمد ، عن عبد الله بن وهب ، عن يحيى بن عبد الله بن سالم ، عن أبي بكر بن نافع ، عن أبيه ، عن ابن عمر قال : تراءى الناس الهلال ، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته ، فصام وأمر الناس بصيامه .

وأيضا فإن صوم رمضان فرض يلزم من طريق الدين ، فإذا تعذر وجود الاستفاضة فيه وجب قبول أخبار الآحاد كأخبار الآحاد المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحكام الشرع الذي ليس من شرطه الاستفاضة ، ولذلك قبلوا خبر المرأة والعبد والمحدود في القذف إذا كان عدلا كما يقبل في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ما عاضد القياس من الآثار المروية فيه .

وأما هلال شوال وذي الحجة فإنهم لم يقبلوا فيه إلا شهادة رجلين عدلين ممن تقبل شهادتهم في الأحكام ، لما حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى البزاز قال : أخبرنا سعيد بن سليمان قال : حدثنا عباد عن أبي مالك الأشجعي قال : حدثنا حسين بن الحارث الجدلي من جديلة قيس ، أن أمير مكة خطب ثم قال عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننسك لرؤية الهلال ، فإن لم نره وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما فسألت الحسين بن الحارث : من أمير مكة ؟ فقال : لا أدري .

ثم لقيني بعد ذلك فقال : هو الحارث بن حاطب أخو محمد بن حاطب ثم قال الأمير : " إن فيكم من هو أعلم بالله ورسوله مني وشهد هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم " وأومأ بيده إلى رجل .

قال الحسين : فقلت لشيخ إلى جنبي : من هذا الذي أومأ إليه الأمير ؟ قال : عبد الله بن عمر ؛ وصدق ، كان أعلم بالله منه فقال : بذلك أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فقوله أمرنا أن ننسك لرؤية الهلال إنما هو على صلاة العيد والذبح يوم النحر لوقوع اسم النسك عليهما دون صوم رمضان ؛ لأن الصوم لا يتناوله هذا الاسم مطلقا ، وقد يتناول الصلاة والذبح ، ألا ترى إلى قوله تعالى : ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فجعل النسك غير الصيام ؟ والدليل على أن النسك يقع على صلاة العيد حديث البراء بن عازب ، أن [ ص: 255 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم النحر : إن أول نسكنا في يومنا هذا الصلاة ثم الذبح ؛ فسمى الصلاة نسكا .

وقد سمى الله الذبح نسكا في قوله : إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله وفي قوله : أو صدقة أو نسك فثبت بذلك أن قوله عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننسك بشهادة شاهدي عدل قد انتظم صلاة العيد للفطر والذبح يوم النحر ، فوجب أن لا يقبل فيه أقل من شاهدين ، ومن جهة أخرى أن الاستظهار بفعل الفرض أولى من الاستظهار بتركه ، فاستظهروا للفطر بشهادة رجلين ؛ لأن الإمساك فيما لا صوم فيه خير من الأكل في يوم الصوم .

فإن قيل : في هذا ترك الاستظهار ؛ لأنه جائز أن يكون يوم الفطر وقد شهد به شاهد ، فإذا لم تقبل شهادته واعتبرت الاستظهار برجلين فلست تأمن أن تكون صائما يوم الفطر ، وفيه مواقعة المحظور وضد الاحتياط .

قيل له : إنما حظر علينا الصوم فيه إذا علمنا أنه يوم الفطر ، فأما إذا لم يثبت عندنا أنه يوم الفطر فالصيام فيه غير محظور ، فإذا لم يثبت يوم الفطر ووقفنا بين فعل الصوم وتركه كان فعله أحوط من تركه لما بينا حتى يثبت أنه يوم الفطر بشهادة من يقطع الحقوق بشهادته .

التالي السابق


الخدمات العلمية