الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ( الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ) ذكر في الآية السابقة أن الذين أوتوا الكتاب يعلمون أن ما جاء به النبي في أمر القبلة هو الحق من ربهم ولكنهم ينكرون ويمكرون ، وذكر في هذه ما هو الأصل والعلة في ذلك العلم وذلك الإنكار ، وهو أنهم يعرفون النبي - صلى الله عليه وسلم - بما في كتبهم من البشارة به ومن نعوته وصفاته التي لا تنطبق على غيره ، وبما يظهر من آياته وآثار هدايته ، كما يعرفون أبناءهم الذين يتولون تربيتهم وحياطتهم حتى لا يفوتهم من أمرهم شيء . قال عبد الله بن سلام رضي الله عنه - وكان من علماء اليهود وأحبارهم : - أنا أعلم به مني بابني ، فقال له عمر رضي الله عنه : لم ؟ قال : لأني لست أشك في محمد أنه نبي ، فأما ولدي فلعل والدته خانت . فقد اعترف من هداه الله من أحبارهم كهذا العالم الجليل ، وتميم الداري من علماء النصارى أنهم عرفوه - صلى الله عليه وسلم - معرفة لا يتطرق إليها الشك ( وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون ) أنه الحق الذي لا مرية فيه ، فماذا يرجى منهم بعد هذا ؟ وذهب بعض المفسرين إلى أن الضمير في ( يعرفونه ) لما ذكر من أمر القبلة ، واستبعدوا عوده إلى الرسول مع تقدم ذكره في الآيات ، ومع ما يعهد من الاكتفاء بالقرائن في مثل هذا التعبير . وقد أسند هذا الكتمان إلى فريق منهم إذ لم يكونوا كلهم كذلك ; فإن منهم من اعترف بالحق وآمن واهتدى به ، ومنهم من كان يجحده عن جهل ولو علم به لجاز أن يقبله ، وهذا من دقة حكم القرآن على الأمم بالعدل . ثم قال عز شأنه :

                          ( الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ) الامتراء : الشك والتردد ، وإنما يعرض لمن لا يعرفون الحق ، والمعنى أن هذا الذي أنت عليه أيها الرسول هو الحق ، أو أن جنس الحق في الدين هو الوحي من عند ربك المعتني بشأنك ، فلا تلتفت إلى أوهام هؤلاء الجاحدين فإنها لا تصلح شبهة على الحق الصريح الذي علمك الله فتمتري به ، والنهي في هذه الآية كالوعيد في الآية السابقة وجه الخطاب به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، والمراد أمته من كان منهم غير [ ص: 18 ] راسخ في الإيمان ، وخشي عليه الاغترار بمظاهر أولئك المخادعين الذين يغتر بأمثالهم الأغرار في كل زمان ومكان ; ولذلك ارتد بفتنة القبلة بعض ضعفاء الإيمان .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية