الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              ثم إن الحلي لا زكاة فيه ; فيتنخل من هذا أن كل ذهب أو فضة أديت زكاتهما ، أو اتخذت حليا فليسا بكنز ، وذلك قوله سبحانه : { والذين يكنزون الذهب } الآية .

                                                                                                                                                                                                              وهذا يدل على أن الكنز في الذهب والفضة خاصة ، وأن المراد بالنفقة الواجب لقوله : { فبشرهم بعذاب أليم } ولا يتوجه العذاب إلا على تارك الواجب .

                                                                                                                                                                                                              فإن قيل : فما الدليل على أن الحلي لا زكاة فيه وهي : المسألة السابعة : قلنا : اختلف العلماء في ذلك اختلافا كثيرا ، أصله قول مالك والشافعي : لا زكاة في الحلي المباح .

                                                                                                                                                                                                              وقال أبو حنيفة : تجب فيه الزكاة .

                                                                                                                                                                                                              ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء .

                                                                                                                                                                                                              فأما أبو حنيفة : فأخذ بعموم الألفاظ في إيجاب الزكاة في النقدين ولم يفرق بين حلي وغيره .

                                                                                                                                                                                                              [ ص: 490 ] وأما علماؤنا فقالوا : إن قصد التملك لما أوجب الزكاة في العروض ، وهي ليست بمحل لإيجاب الزكاة ، كذلك قصد قطع النماء في الذهب والفضة باتخاذهما حليا يسقط الزكاة ، فإن ما أوجب ما لم يجب يصلح لإسقاط ما وجب ، وتخصيص ما عم وشمل .

                                                                                                                                                                                                              وقد قال بعض الناس : إن ما زاد على أربعة آلاف كنز ، وعزوه إلى علي . وليس بشيء يذكر ، لبطلانه .

                                                                                                                                                                                                              أما إنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال هكذا وهكذا ، وأشار بيده يفرقها } .

                                                                                                                                                                                                              قال أبو ذر : الأكثرون أصحاب عشرة آلاف ، يريد أن الأكثرين مالا هم الأقلون يوم القيامة ثوابا ، إلا من فرقه في سبيل الله .

                                                                                                                                                                                                              وهذا بيان لنقصان المرتبة بقلة الصدقة ، لا لوجوب التفرقة بجميع المال ، ما عدا الصدقة الواجبة ، يبينه ما روى الترمذي عن سالم بن أبي الجعد عن ثوبان قال : لما نزلت : { والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله } قال : { كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره ، فقال بعض أصحابه : أنزلت في الذهب والفضة . لو علمنا أي المال خير فنتخذه ؟ فقال : أفضله لسان ذاكر ، وقلب شاكر ، وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه } .

                                                                                                                                                                                                              فجعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا جوابا لمن علم رغبته في المال فرده إلى منفعة المال ، لما فيه من الفراغ ، وعدم الاشتغال .

                                                                                                                                                                                                              [ ص: 491 ] وقد بين أيضا في مواضع أخر : أي المال خير في حالة أم أخرى لقوم آخرين ؟ فقال : { خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ، ومواقع القطر ، يفر بدينه من الفتن } .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية