الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1103 [ 835 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت: تزوجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا بنت سبع، وبنى بي وأنا ابنة تسع، وكنت ألعب بالبنات، وكن جوار يأتينني فإذا رأين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتقمعن منه، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسر بهن إلي .

التالي السابق


الشرح

عبد الرحمن أبو محمد، ومجمع : ابنا يزيد بن جارية بن [ ص: 96 ] عامر بن مجمع بن العطاف الأنصاري، من بني عمرو بن عوف، ولأبيهما صحبة ورواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وجدهما حارثة من المنافقين من أهل مسجد الضرار.

روى عبد الرحمن عن: عمه مجمع بن جارية الأنصاري، وعن بعضهم أنه قال: ما رأيت بعد الصحابة أفضل من عبد الرحمن، يقال: أنه ولد في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ومات بالمدينة سنة ثلاث وتسعين، وقيل: سنة ثمان.

سمعا: خنساء بنت خذام.

وخنساء: هي بنت خذام بن خالد، من نساء الصحابة، وأبوها من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأنصار .

وحديث نافع بن جبير عن ابن عباس مخرج في الموطأ ورواه مسلم في صحيحه عن يحيى بن يحيى عن مالك، وأخرجه الشيخان من رواية أبي هريرة.

وحديث خنساء أخرجه البخاري عن إسماعيل عن مالك.

وحديث عائشة أخرجه البخاري عن محمد بن يوسف عن سفيان، وأخرجاه من طرق عن هشام بن عروة.

وقوله: "الأيم أحق بنفسها" اسم من [أيم] والأيمة: التي مات [ ص: 97 ] عنها زوجها أو طلقها أشهر، وتسمى البكر التي لا زوج لها أيما أيضا، وأراد ها هنا: الثيب أحق بنفسها من وليها ثم ليس المقصود أنها تباشر العقد بنفسها إذ لا نكاح إلا بولي، ولكن المراد أنها لا تزوج إلا بإذنها، ولو زوجها الولي دون إذنها فالنكاح باطل، ويوضحه حديث خنساء.

ومعنى قوله: "فرد نكاحها" أنه حكم بأنه غير منعقد لا أنه رفعه بعد انعقاده، ولو كانت الثيب صغيرة لم يكن لها في الصغر إذن، فلا بد من الصبر حتى تبلغ فتأذن في التزويج; وأما البكر فإن كانت صغيرة فلا خلاف في أنه يجوز تزويجها للأب والجد، ويدل عليه حديث عائشة رضي الله عنها.

وقولها: "يتقمعن" ويروى "ينقمعن" وهما أي: يتغيبن ويتعين رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والانقماع والتقمع: الدخول في بيت وستر ونحوهما، ويروى بدلهما يتقنعن بالنون.

وقولها: "يسر بهن إلي" أي: يوجههن ويسرحهن.

ولو كانت يتيمة فعند الشافعي لا يزوجها غير الأب والجد احتجاجا بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تستأمر" ومعلوم أنه لا عبرة بإذنها قبل البلوغ، فكأنه قال: ولا تنكح حتى تبلغ فتستأمر. وإن كانت البكر بالغة فقد ذهب ذاهبون إلى أنها لا تزوج حتى تستأذن لقوله: "والبكر تستأذن في نفسها".

وقال آخرون منهم: القاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله، ومالك، والشافعي، وأحمد: يجوز أن يزوجها الأب والجد من غير استئذانها، وقالوا: مقصود الحديث استطابة نفسها بالاستئذان كما أن الله تعالى أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بمشاورة أصحابه، فقال تعالى: وشاورهم في [ ص: 98 ] الأمر استطابة لنفوسهم، وكما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لنعيم: "وأمر أم ابنتك في نكاحها" .

ويمكن أن يقال في الخبر: قوله: "الثيب أحق بنفسها من وليها" أي: من كل ولي أبا كان أو جدا أو غيرهما، فلا يزوجها أحد إلا بإذن، والبكر تستأذن في الجملة وليست أحق بنفسها من كل ولي، وحيث يعتبر الاستئذان ففي حق الثيب يعتبر الإذن نطقا، وفي حق البكر يكفي السكوت; لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وإذنها صماتها". وروت عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "البكر تستأذن" قالت: قلت: إن البكر تستحي. قال: "إذنها صماتها" .

وللأصحاب وجه آخر أنه يشترط نطقها أيضا.

وقول عائشة: "وبنى بي" كناية عن الزفاف، يقال: بنى بأهله وعلى أهله، والأصل فيه أنهم كانوا إذا أرادوا الدخول على الأهل بنوا قبة أو بناء يدخلا بها.

وقولها: "ألعب بالبنات" هي اللعب المشبهة بالجواري تلعب بها الصبايا، وفي صحيح مسلم عن عائشة; أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوجها وهي بنت سبع سنين، وزفت إليه وهي بنت تسع سنين ولعبها معها، ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة .

وفيه أنه لا بأس بتمكين الصبيان من اللعب باللعب، فإن كانت مصورة فقد يتساهل معهن لصباهن كما يتساهل بإلباس ذكور الأطفال [ ص: 99 ] الحرير على الأظهر، وفيه أنه لم يمنع من اجتماعهن للملاعبة، وأنه لاطف عائشة ولاطفهن بتسريهن إليها.




الخدمات العلمية