الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وإذا مات بري ذو نفس سائلة براكد ولم يتغير ندب نزح بقدرهما لا إن وقع ميتا )

                                                                                                                            ش : قوله بري صفة لمحذوف يعني أن الحيوان البري الذي [ ص: 83 ] له نفس سائلة إذا مات في الماء الراكد ولم يتغير الماء فإنه يستحب أن ينزح منه بقدر الماء والميتة أي بقدر الماء كثرة وقلة وكبر الميتة وصغرها فقوله إذا مات أخرج به ما لو وقع الحيوان في الماء وأخرج حيا فإنه لا يضر إلا أن يكون بجسده نجاسة والماء قليل فيكون ماء يسير حلته نجاسة وظاهر كلام ابن رشد أنه محمول على الطهارة ولو كان الغالب على ذلك الحيوان مخالطة النجاسة فإنه أنكر قول سعيد بن نمير في قصرية شراب وقعت فيه فأرة فأخرجت حية أنه يراق وقال هو : بعيد وشذوذ لا وجه له وقال : إن في سماع أشهب مثله ومال ابن الإمام إلى ظاهر الرواية المذكورة وقال : إنه إذا كان الغالب عليه النجاسة يحكم بنجاسة ظاهره وما قاله ابن رشد أظهر في الطعام فلا يراق بالشك وأما في الماء فالظاهر ما قاله ابن الإمام فيكره استعماله مع وجود غيره إذا كان قليلا فتأمله وقال في المغني : إذا وقعت في الماء حية وأخرجت وهي بالحياة لم يفسد قاله ابن رشد وكأنه يعني بالنسبة إلى الوضوء وأما في الشرب فينبغي أن يفسد والله أعلم ، وأخرج أيضا بقوله مات ما إذا وقع الحيوان في الماء بعد موته فإنه لا يستحب النزح كما يصرح به .

                                                                                                                            وقوله بري احترز به من البحري فإنه إذا مات في الماء ولم يغيره لم يستحب النزح وقوله ذو نفس سائلة احترز به من الحيوان الذي ليست له نفس سائلة والمراد بالنفس السائلة الدم الجاري لذلك قيد النفس بالسيلان فإن النفس تطلق على ذات الشيء وعلى الروح وعلى الدم فقيدها بالسيلان احتراز من المعنيين الأولين وقوله براكد احترز به من الجاري فإنه لا يستحب فيه النزح والراكد الواقف وسواء كانت له مادة كالبئر أو لا مادة له كالصهريج والبركة وقوله ولم يتغير احترز به مما إذا تغير الماء فإنه يجب النزح وسواء كانت دابة بحر أو دابة بر لها نفس سائلة أو ليست لها نفس سائلة إلا أن ما تغير بميتة الحيوان البري الذي له نفس سائلة نجس وغيره طاهر على خلاف فيما تغير بالبري الذي له نفس سائلة ذكره في التوضيح في الكلام على الميتات وذكره غيره وإذا وجب النزح فما له مادة ينزح حتى يزول تغيره وما ليست له مادة يطرح كله قال ابن أبي زمنين بفتح الزاي والميم وكسر النون ثم ياء ساكنة : ويغسل الماجل منه فإن زال التغير ينزح بعضه ففي طهورية الباقي القولان اللذان ذكرهما المصنف في قوله وإن زال تغير النجس قاله في الجواهر .

                                                                                                                            وأفتى أبو محمد بتجهيل من قال في ماجل قليل الماء ماتت فيه فأرة وغيرته أنه يطين حتى يكثر ماؤه كما سيأتي قريبا وقوله ندب نزح يعني به أن النزح مع القيود المذكورة مستحب وهذا هو المشهور وقيل يجب النزح وقيل يجب فيما لا مادة له وقيل يجب في القليل دون الكثير حكى هذه الأقوال أبو الحسن الصغير .

                                                                                                                            ( تنبيه ) وعلى المشهور فهو مكروه مع وجود غيره على المشهور قاله سند وغيره فيعيد من صلى في الوقت ويستحب غسل الثياب التي أصابها إذا لم تكن مما يفسدها الغسل قاله في رسم شك من سماع ابن القاسم وفي المدونة قال علي عن مالك : من توضأ بماء وقعت فيه ميتة فتغير لونه أو طعمه وصلى أعاد أبدا فإن لم يتغير أعاد في الوقت وقال في رسم الوضوء والجهاد من سماع أشهب : ويطرح ما عجن به أو حل فيه على سبيل التوقي للمتشابه انتهى . وعلل القول بالوجوب فيعيد من صلى به أبدا ويحرم أكل ما عجن به أو طبخ واقتصار الشارح في الكبير على هذا يوهم أنه الجاري على المشهور وليس كذلك والله أعلم .

                                                                                                                            ( والحكمة في النزح ) أن الله أجرى العادة أن الحيوان عند خروج روحه تفتح مسامه وتسيل رطوباته ويفتح فاه طلبا للنجاة فيدخل الماء ويخرج برطوبات وذلك مما تعافه النفوس فأمر بالنزح لذلك ولهذا قال بعضهم : إذا نزح ينقص الدلو شيئا يسيرا لأنه إذا ملئ تطفو الدهنية وترجع إلى الماء [ ص: 84 ] فلا يكون للنزح معنى .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية