الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها هذا كلام مستأنف لبيان أهم الأمرين وأولاهما بالرفض والكراهة ، وهو إنشاء في لفظ الخير ، فإما أن يكون تأكيدا قسميا لرفض دعوة الملأ إياهم إلى العود في ملتهم ، كما يقول القائل : برئت من الذمة ، أو من ديني ، أو من رحمة الله تعالى إن فعلت كذا ، فيكون مقابلة لقسمهم بقسم أعرق منه في التوكيد ، وإما أن يكون تعجبا خرج لا على مقتضى الظاهر ، وأكد بقد والفعل الماضي ، والمعنى : ما أعظم افتراءنا على الله تعالى إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها ، وهدانا الصراط المستقيم بالحنيفية ملة إبراهيم ، وإذا كان من يتبع ملتكم يعد مفتريا على الله تعالى بقوله عليه ما لا يعلم ، لا بهداية من الوحي ولا برهان من العقل ، فكيف يكون حال من [ ص: 6 ] افترى عليه وضل عن صراطه على علم ؟ وإن كفر الجحود ـ وهو إنكار الحق وغمطه بعد العلم به ـ هو شر أنواع الكفر ، والافتراء على الله تعالى فيه أفظع ضروب الافتراء التي لا يقبل فيها أدنى عذر .

                          وأنت ترى أن النتيجة أدل من العود على إثبات أنهم كانوا على ملة قومهم حقيقة ، وقد علمت أن المفسرين يجعلونه تغليبا لاستثنائه عليه السلام ، ونقول بناء على ما قررناه من أن عدهم إياه من أهل ملتهم لا يقتضي أنه كان يعبد ما يعبدون ، ويفعل من التطفيف وبخس الناس أشياءهم ما كانوا يفعلون : إنه يصح أن يشمله إنجاء الله تعالى إياه منها ، بمعنى إنجائه من الانتماء إلى ملة ما كان يؤمن بعقيدتها ، ولا يعمل عمل أهلها ، ولا كان يهتدي بعقله ورأيه إلى ملة خير منها ، فكان موقفه موقف الحيرة في شأنها ، كما يؤخذ من قوله تعالى في خطاب النبي الخاتم الأعظم ـ صلى الله عليه وسلم ـ ووجدك ضالا فهدى ( 93 : 7 ) وتفسيره بقوله : وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا ( 42 : 52 ) الآية .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية