الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              826 64 \ 790 - وفي رواية لأبي داود: عن الزهري سمعت ابن أكيمة يحدث سعيد بن المسيب، قال: سمعت أبا هريرة يقول: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة نظن أنها الصبح - بمعناه إلى قوله -: ما لي أنازع القرآن؟ وفيها - قال معمر ، عن الزهري - قال أبو هريرة فانتهى الناس

                                                              قال أبو داود: سمعت محمد بن يحيى بن فارس قال: قوله "فانتهى الناس": من كلام الزهري.

                                                              [ ص: 214 ]

                                                              التالي السابق


                                                              [ ص: 214 ] قال ابن القيم رحمه الله: وقد أعل البيهقي هذا الحديث بابن أكيمة، وقال: تفرد به وهو مجهول، ولم يكن عند الزهري من معرفته أكثر من أن رآه يحدث سعيد بن المسيب. واختلفوا في اسمه. فقيل: عمارة، وقيل: عمار، قاله البخاري.

                                                              وقوله: "فانتهى الناس عن القراءة" من قول الزهري، قاله محمد بن يحيى الذهلي صاحب "الزهريات"، والبخاري، وأبو داود. واستدلوا على ذلك برواية الأوزاعي، حين ميزه من الحديث، وجعله من قول الزهري. قال: وكيف يكون ذلك من قول أبي هريرة وهو يأمر بالقراءة خلف الإمام. فيما جهر فيه وفيما خافت؟!

                                                              وقال غيره هذا التعليل ضعيف، فإن ابن أكيمة من التابعين وقد حدث بهذا الحديث ولم ينكره عليه أعلم الناس بأبي هريرة وهو سعيد بن المسيب، ولا يعلم أحد قدح فيه ولا جرحه بما يوجب ترك حديثه، ومثل هذا أقل درجات حديثه أن يكون حسنا. كما قال الترمذي.

                                                              وقوله: "فانتهى الناس"، وإن كان الزهري قاله، فقد رواه معمر، عن [ ص: 215 ] الزهري قول أبي هريرة، وأي تناف بين الأمرين؟ بل كلاهما صواب، قاله أبو هريرة كما قال معمر، وقاله الزهري كما قال هؤلاء، وقاله معمر أيضا كما قال أبو داود. فلو كان قول الزهري له علة في قول أبي هريرة لكان قول معمر له علة في قول الزهري، وأن نجعل ذلك كلام معمر.

                                                              وقوله: "كيف يصح ذلك عن أبي هريرة، وهو يأمر بالقراءة خلف الإمام؟" فالمحفوظ عن أبي هريرة أنه قال "اقرأ بها في نفسك"، وهذا مطلق ليس فيه بيان أن يقرأ بها حال الجهر. ولعله قال له يقرأ بها في السر والسكتات، ولو كان عاما فهذا رأي له خالفه فيه غيره من الصحابة، والأخذ بروايته أولى.

                                                              وقد روى الدارقطني والبيهقي من حديث زيد بن واقد، عن حرام بن حكيم ومكحول، عن نافع بن محمود: أنه سمع عبادة بن الصامت يقرأ بأم القرآن، وأبو نعيم يجهر بالقراءة، فقلت: رأيتك صنعت في صلاتك شيئا؟ قال وما ذاك؟ قلت: سمعتك تقرأ بأم القرآن وأبو نعيم يجهر بالقراءة؟ قال: نعم، صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الصلوات التي يجهر فيها بالقراءة؟ فلما انصرف قال: "هل منكم من أحد يقرأ شيئا من القرآن إذا جهرت بالقراءة؟" قلنا: نعم يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأنا أقول: ما لي أنازع القرآن؟ لا يقرأن أحد منكم شيئا من القرآن إذا جهرت بالقراءة، إلا بأم القرآن . قال الدارقطني: إسناده حسن ورجاله ثقات.

                                                              قال البيهقي: وزيد بن واقد ثقة، ومكحول سمع هذا الحديث من [ ص: 216 ] محمود بن الربيع، ومن ابنه نافع بن محمود، ونافع بن محمود وأبوه محمود بن الربيع سمعا من عبادة بن الصامت.

                                                              وروى البيهقي من طريق سفيان، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن محمد بن أبي عائشة، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعلكم تقرءون والإمام يقرأ؟ قالوا إنا لنفعل، قال فلا تفعلوا، إلا أن يقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب ، رواه جماعة عن سفيان. قال: وهذا إسناد صحيح، وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم ثقة، فترك ذكر أسمائهم في الإسناد لا يضر، إذا لم يعارضه ما هو أصح منه.

                                                              ولكن لهذا الحديث علة، وهي أن أيوب خالف فيه خالدا، ورواه عن أبي قلابة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، وهو كذلك في "تاريخ البخاري" عن مؤمل، عن إسماعيل بن علية، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                              وأما حديث جابر يرفعه: من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة فله علتان:

                                                              إحداهما: أن شعبة والثوري وابن عيينة وأبا عوانة وجماعة من [ ص: 217 ] الحفاظ رووه عن موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله بن شداد مرسلا.

                                                              والعلة الثانية: أنه لا يصح رفعه وإنما المعروف وقفه، قال الحاكم: سمعت سلمة بن محمد يقول: سألت أبا موسى الرازي الحافظ عن الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة؟ فقال: لم يصح فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء، إنما اعتمد مشايخنا فيه على الروايات عن علي وابن مسعود والصحابة، قال الحاكم: أعجبني هذا لما سمعته، فإن أبا موسى أحفظ من رأينا من أصحاب الرأي تحت أديم السماء، وقد رفعه جابر الجعفي، وليث بن أبي مسلم، عن أبي الزبير، عن جابر، وتابعهما من هو أضعف منهما أو مثلهما.




                                                              الخدمات العلمية