الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر بناء سامرا

وفي هذه السنة خرج المعتصم إلى سامرا لبنائها ، وكان سبب ذلك أنه قال : إني أتخوف هؤلاء الحربية أن يصيحوا صيحة فيقتلوا غلماني ، فأريد أن أكون فوقهم ، فإن رابني منهم شيء أتيتهم في البر والماء ، حتى آتي عليهم ، فخرج إليها ، فأعجبه مكانها .

وقيل كان سبب ذلك أن المعتصم كان قد أكثر من الغلمان الأتراك ، فكانوا لا يزالون يرون الواحد بعد الواحد قتيلا ، وذلك أنهم كانوا جفاة ، يركبون الدواب ، فيركضونها إلى الشوارع ، فيصدمون الرجل والمرأة والصبي ، فيأخذهم الأبناء عن دوابهم ، ويضربونهم ، وربما هلك أحدهم فتأذى بهم الناس .

ثم إن المعتصم ركب يوم عيد ، فقام إليه شيخ ، فقال له : يا أبا إسحاق ! فأراد الجند ضربه ، فمنعهم ، وقال : يا شيخ ( ما لك ، ما لك ؟ ) قال : لا جزاك الله عن الجوار خيرا ، جاورتنا وجئت بهؤلاء العلوج من غلمانك الأتراك ، فأسكنتهم بيننا ، فأيتمت صبياننا ، وأرملت بهم نسواننا ، وقتلت رجالنا ، والمعتصم يسمع ذلك ، فدخل منزله ، ولم ير راكبا إلى مثل ذلك اليوم ، فخرج ، فصلى بالناس العيد ، ولم يدخل بغداد ، بل سار إلى ناحية القاطول ، ولم يرجع إلى بغداد .

[ ص: 16 ] قال مسرور الكبير : سألني المعتصم أين كان الرشيد يتنزه إذا ضجر ببغداذ قلت : بالقاطول ، وكان قد بنى هناك مدينة آثارها وسورها قائم ، وكان قد خاف من الجند ما خاف المعتصم ، فلما وثب أهل الشام بالشام وعصوا خرج إلى الرقة فأقام بها ، وبقيت مدينة القاطول لم تستم .

ولما خرج المعتصم إلى القاطول استخلف ببغداذ ابنه الواثق .

وكان المعتصم قد اصطنع قوما من أهل الحوف بمصر ، واستخدمهم ، وسماهم المغاربة ، وجمع خلقا من سمرقند ، وأشروسنة ، وفرغانة ، وسماهم الفراغنة ، فكانوا من أصحابه ، وبقوا بعده .

وكان ابتداء العمارة بسامرا سنة إحدى وعشرين ومائتين .

التالي السابق


الخدمات العلمية