الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              ( 575 ) باب النهي عن التطوع نصف النهار حتى تزول الشمس وهذا من الجنس الذي أعلمت أن الاحتجاج بالسكت على النطق غير جائز ، إذ لو جاز الاحتجاج بالسكت على النطق لجاز الاحتجاج بأخبار النبي صلى الله عليه وسلم : " لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس " أن يقال : قد سكت النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأخبار [ ص: 628 ] عن الزجر عن صلاة التطوع إذا قام قائم الظهيرة ، فيقال : الصلاة في ذلك الوقت جائزة أو يقال : هذه الأخبار خلاف الأخبار التي فيها النهي عن الصلاة إذا قام قائم الظهيرة " .

              1275 - حدثنا يونس بن عبد الأعلى الصدفي ، حدثنا ابن وهب ، وأخبرنا ابن عبد الحكم ، أن ابن وهب أخبرهم قال : أخبرني عياض بن عبد الله ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، أمن ساعات الليل والنهار ساعة تأمرني أن لا أصلي فيها ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نعم ، إذا صليت الصبح فأقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس - وقال ابن عبد الحكم : حتى ترتفع الشمس فإنها تطلع بين قرني الشيطان ، ثم الصلاة مشهودة محضورة متقبلة حتى ينتصف النهار ، فإذا انتصف النهار فأقصر عن الصلاة حتى تميل الشمس ؛ فإنه حينئذ تسعر جهنم ، وشدة الحر من فيح جهنم ، فإذا مالت الشمس فالصلاة محضورة مشهودة متقبلة حتى يصلى العصر فإذا صليت العصر فأقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس " قال يونس : قال : " صلوات " وقال ابن عبد الحكم : " ثم الصلاة مشهودة محضورة متقبلة حتى يصلى الصبح " قال أبو بكر : ولو جاز الاحتجاج بالسكت على النطق كما يزعم بعض أهل العلم أنه الدليل على المنصوص لجاز أن يحتج بأخبار النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ، وبعد العصر حتى تغرب الشمس " ، فإباحة الصلاة عند بروز حاجب الشمس قبل أن ترتفع ، وبإباحة الصلاة إذا استوت الشمس قبل أن تزول ، ولكن غير جائز عند من يفهم الفقه ، ويدبر أخبار النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعاند الاحتجاج بالسكت على النطق ، ولا بما يزعم بعض أهل العلم أنه الدليل على المنصوص . [ ص: 629 ] وقول النبي صلى الله عليه وسلم على مذهب من خالفنا في هذا الجنس : " لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس " دال عنده على أن الشمس إذا طلعت فالصلاة جائزة ، وزعم أن هذا هو الدليل الذي لا يحتمل غيره ، ومذهبنا خلاف هذا الأصل ، نحن نقول : إن النص أكثر من الدليل ، وجائز أن ينهى عن الفعل إلى وقت وغاية ، وقد لا يكون في النهي عن ذلك الفعل إلى ذلك الوقت والغاية دلالة على أن الفعل مباح بعد مضي ذلك الوقت وتلك الغاية ، إذا وجد نهي عن ذلك الفعل بعد ذلك الوقت ، ولم يكن الخبران إذا رويا على هذه القصة متهاترين متكاذبين متناقضين على ما يزعم بعض من خالفنا في هذه المسألة ومن هذا الجنس الذي أعلمت في كتاب معاني القرآن ، من قوله جل وعلا : فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره [ البقرة : 230 ] . فحرم الله المطلقة ثلاثا على المطلق في نص كتابه حتى تنكح زوجا غيره ، وهي إذا نكحت زوجا غيره لا تحل له وهي تحت زوج ثان ، وقد يموت عنها أو يطلقها أو ينفسخ النكاح ببعض المعاني التي ينفسخ النكاح بين الزوجين قبل المسيس ، ولا يحل أيضا للزوج الأول حتى يكون من الزوج الثاني مسيس ، ثم يحدث بعد ذلك بالزوج موت أو طلاق أو فسخ نكاح ، ثم تعتد به ، فلو كان التحريم إذا كان إلى وقت غاية كالدليل الذي لا يحتمل غيره أن يكون المحرم إلى وقت غاية صلى لا بعد الوقت لا يحتمل غيره ، لكانت المطلقة ثلاثا إذا تزوجها زوجا غيره حلت لزوجها الأول قبل مسيس الثاني إياها ، وقبل أن يحدث بالزوج موت أو طلاق منه ، وقبل أن تنقضي عدتها ومن يفهم أحكام الله يعلم أنها لا تحل بعد : حتى تنكح زوجا غيره ، وحتى يكون هناك مسيس من الزوج إياها ، أو موت زوج أو طلاقه ، أو انفساخ النكاح بينهما ، ثم عدة تمضي ، هذه مسألة طويلة سأبينها في كتاب العلم إن شاء الله تعالى . [ ص: 630 ] واعترض بعض من لا يحسن العلم والفقه ، فادعى في هذه الآية ما أنسانا قول من ذكرنا قوله ، فزعم أن النكاح هاهنا الوطء ، وزعم أن النكاح على معنيين عقد ووطء ، وزعم أن قوله عز وجل : حتى تنكح زوجا غيره . إنما أراد الوطء ، وهذه فضيحة لم نسمع عربيا قط ممن شاهدناهم ، ولا حكي لنا عن أحد تقدمنا ممن يحسن لغة العرب من أهل الإسلام ، ولا ممن قبلهم أطلق هذه اللفظة ، أن يقول جامعت المرأة زوجها ، ولا سمعنا أحدا يجيز أن يقال ، وطئت المرأة زوجها ، وإنما أضاف إليها النكاح في هذا الموضع كما تقول العرب ، تزوجت المرأة زوجا ، ولم نسمع عربيا يقول وطئت المرأة زوجها ولا جامعت المرأة زوجها ، ومعنى الآية على ما أعلمت أن الله عز وجل قد يحرم الشيء في كتابه إلى وقت وغاية ، وقد يكون ذلك الشيء حراما بعد ذلك الوقت أيضا " .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية