الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        660 - وأما قول مالك : إنه رأى أهل العلم إذا اعتكفوا في العشر الأواخر من رمضان لا يرجعون إلى أهليهم حتى يشهدوا الفطر مع المسلمين .

                                                                                                                        14935 م - قال مالك : وبلغني ذلك عن أهل الفضل الذين مضوا ، وهو أحب ما سمعت إلي في ذلك .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        14936 - قال أبو عمر : هذا من قوله يدل على أنه سمع الاختلاف في هذه المسألة . وقد اختلف قوله فيها ، فالأكثر عنه ما في موطئه أنه لا يخرج من معتكفه من اعتكف العشر الأواخر إلا إلى المصلى ، وإن خرج فلا شيء عليه .

                                                                                                                        14937 - رواه ابن القاسم عن مالك في " المدونة " ، وهو قول ابن القاسم .

                                                                                                                        14938 - وقال ابن الماجشون ، وسحنون : يعيد اعتكافه .

                                                                                                                        [ ص: 296 ] 14939 - قال سحنون : لأن السنة المجمع عليها أن يبيت في معتكفه حتى يصبح .

                                                                                                                        14940 - قال أبو عمر : لم يقل بقولهما أحد من أهل العلم فيما علمت إلا رواية جاءت عن مالك ذكرها إسماعيل في " المبسوط " لا وجه لها في القياس لما وصفنا ، والصحيح عن مالك فيها ما ذكرنا . ولم يجتمع على ما ذكر سحنون أنها سنة مجمع عليها ، والخلاف موجود فيها ، والخلاف لا حجة فيه .

                                                                                                                        14941 - وذكر ابن وهب عن الليث ، أن عقيلا حدثه عن ابن شهاب أنه كان لا يرى بأسا أن ينصرف المعتكف إلى أهله ليلة الفطر .

                                                                                                                        14942 - وبه قال الليث بن سعد .

                                                                                                                        14943 - قال أبو عمر : هي مسألة استحباب ؛ ليصل المعتكف اعتكافه بصلاة العيد ، فيكون قد وصل نسكا بنسك ، والله أعلم ؛ لأن ذلك لا واجب ولا لازم ولا سنة مؤكدة ; لأن الأصل : ليلة العيد ويوم العيد ليس بموضع اعتكاف لا سيما عند من لا يراه إلا بصيام ، ومع هذا فإن الذي ذكره مالك معلوم بالمدينة وبالكوفة .

                                                                                                                        14944 - ذكر ابن أبي شيبة ، عن وكيع ، عن سفيان ، عن مغيرة ، عن أبي معشر ، عن إبراهيم ، قال : كانوا يستحبون للمعتكف أن يبيت ليلة الفطر في المسجد حتى يكون غدوه منه إلى العيد .

                                                                                                                        [ ص: 297 ] 14945 - وعن وكيع ، عن ابن عمر ، عن عمران بن جرير ، عن أبي مجلز ، قال : يبيت ليلة الفطر في المسجد الذي اعتكف فيه حتى يكون خروجه منه إلى مصلاه .

                                                                                                                        14946 - وعن إسماعيل بن علية ، عن أيوب ، عن أبي قلابة أنه فعل مثل ذلك .

                                                                                                                        14947 - فهؤلاء من أهل الكوفة والبصرة أعلام ، إلى ما حكاه مالك عن طائفة من فضلاء أهل المدينة وعلمائهم .

                                                                                                                        14948 - ومذهب أحمد بن حنبل في ذلك على ما اختاره مالك واستحبه .

                                                                                                                        14949 - وكان الشافعي ، والأوزاعي يقولان : يخرج من اعتكافه إذا غربت الشمس من آخر أيامه .

                                                                                                                        14950 - قال الشافعي : إذا أراد أن يعتكف العشر الأواخر دخل قبل الغروب ، فإذا أهل هلال شوال فقد أتم العشر .

                                                                                                                        14951 - وهو قول أبي حنيفة ، وأصحابه .

                                                                                                                        14952 - قال أبو عمر : قد أجمعوا في المعتكف في العشر الأول ، أو الوسط من رمضان أنه يخرج إذا غابت الشمس من آخر يوم من اعتكافه .

                                                                                                                        14953 - وفي إجماعهم على ذلك ما يوهن ، ورواية من روى : يخرج من [ ص: 298 ] صبيحتها أو في صبيحتها ، وإجماعهم على ذلك نقيض ما اختلفوا فيه من الخروج لمن اعتكف العشر الأواخر ، ويدل على تصويب رواية من روى يخرج فيها من اعتكافه ، يعني بعد الغروب ، والله أعلم .

                                                                                                                        14954 - والصحيح في تحصيل مذهب مالك أن يقوم المعتكف ليلة الفطر في معتكفه ، وخروجه منه إلى العيد استحباب وفضل لا إيجاب ، وهو الذي ذكر فيه قوله في موطئه ، بل قد نص عليه ، وبالله التوفيق .




                                                                                                                        الخدمات العلمية