الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        6510 حدثنا عبيد الله بن موسى عن هشام عن أبيه أن عمر نشد الناس من سمع النبي صلى الله عليه وسلم قضى في السقط فقال المغيرة أنا سمعته قضى فيه بغرة عبد أو أمة قال ائت من يشهد معك على هذا فقال محمد بن مسلمة أنا أشهد على النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذا حدثني محمد بن عبد الله حدثنا محمد بن سابق حدثنا زائدة حدثنا هشام بن عروة عن أبيه أنه سمع المغيرة بن شعبة يحدث عن عمر أنه استشارهم في إملاص المرأة مثله

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثنا عبيد الله بن موسى عن هشام ) هو ابن عروة ، وهذا في حكم الثلاثيات لأن هشاما تابعي [ ص: 262 ] كما سبق تقريره في رواية عبيد الله بن موسى أيضا عن الأعمش في أول الديات .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن أبيه أن عمر ) هذا صورته الإرسال لكن تبين من الرواية السابقة واللاحقة أن عروة حمله عن المغيرة وإن لم يصرح به في هذه الرواية ، وفي عدول البخاري عن رواية وكيع إشارة إلى ترجيح رواية من قال فيه " عن عروة عن المغيرة " وهم الأكثر .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقال المغيرة ) كذا لأبي ذر وهو الأوجه ، ولغيره " وقال المغيرة " بالواو .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ائت بمن يشهد ) كذا للأكثر بصيغة فعل الأمر من الإتيان ، وحذفت عند بعضهم الباء من قوله : " بمن " ووقع في رواية أبي ذر عن غير الكشميهني بألف ممدودة ثم نون ثم مثناة بصيغة استفهام المخاطب على إرادة الاستثبات أي أنت تشهد ، ثم استفهمه ثانيا : من يشهد معك؟

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثنا محمد بن عبد الله ) هو محمد بن يحيى بن عبد الله الذهلي نسبه إلى جده ، وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق ابن خزيمة عن محمد بن يحيى عن محمد بن سابق ، وكلام الإسماعيلي يشعر بأن البخاري أخرجه عن محمد بن سابق نفسه بلا واسطة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أنه استشارهم في إملاص المرأة مثله ) يعني مثل رواية وهيب قال ابن دقيق العيد : الحديث أصل في إثبات دية الجنين وأن الواجب فيه غرة إما عبد وإما أمة ، وذلك إذا ألقته ميتا بسبب الجناية ، وتصرف الفقهاء بالتقييد في سن الغرة وليس ذلك من مقتضى الحديث كما تقدم ، واستشارة عمر في ذلك أصل في سؤال الإمام عن الحكم إذا كان لا يعلمه أو كان عنده شك أو أراد الاستثبات .

                                                                                                                                                                                                        وفيه أن الوقائع الخاصة قد تخفى على الأكابر ويعلمها من دونهم ، وفي ذلك رد على المقلد إذا استدل عليه بخبر يخالفه فيجيب لو كان صحيحا لعلمه فلان مثلا فإن ذلك إذا جاز خفاؤه عن مثل عمر فخفاؤه عمن بعده أجوز ، وقد تعلق بقول عمر لتأتين بمن يشهد معك من يرى اعتبار العدد في الرواية ويشترط أنه لا يقبل أقل من اثنين كما في غالب الشهادات ، وهو ضعيف كما قال ابن دقيق العيد ، فإنه قد ثبت قبول الفرد في عدة مواطن ، وطلب العدد في صورة جزئية لا يدل على اعتباره في كل واقعة لجواز المانع الخاص بتلك الصورة أو وجود سبب يقتضي التثبت وزيادة الاستظهار ولا سيما إذا قامت قرينة ، وقريب من هذا قصة عمر مع أبي موسى في الاستئذان .

                                                                                                                                                                                                        قلت : وقد تقدم شرحها مستوفى في كتاب الاستئذان ، وبسط هذه المسألة أيضا هناك ، ويأتي أيضا في باب إجازة خبر الواحد من كتاب الأحكام ، وقد صرح عمر في قصة أبي موسى بأنه أراد الاستثبات .

                                                                                                                                                                                                        وقوله : " في إملاص المرأة " أصرح في وجوب الانفصال ميتا من قوله في حديث أبي هريرة " قضى في الجنين " ، وقد شرط الفقهاء في وجوب الغرة انفصال الجنين ميتا بسبب الجناية ، فلو انفصل حيا ثم مات وجب فيه القود أو الدية كاملة ، ولو ماتت الأم ولم ينفصل الجنين لم يجب شيء عند الشافعية لعدم تيقن وجود الجنين ، وعلى هذا هل المعتبر نفس الانفصال أو تحقق حصول الجنين؟ فيه وجهان : أصحهما الثاني ، ويظهر أثره فيما لو قدت نصفين أو شق بطنها فشوهد الجنين ، وأما إذا خرج رأس الجنين مثلا بعدما ضرب وماتت الأم ولم ينفصل قال ابن دقيق العيد : ويحتاج من قال ذلك إلى تأويل الرواية وحملها على أنه انفصل وإن لم يكن في اللفظ ما يدل عليه .

                                                                                                                                                                                                        قلت : وقع في حديث ابن عباس عند أبي داود " فأسقطت غلاما قد نبت شعره ميتا " فهذا صريح في الانفصال ، ووقع مجموع ذلك في حديث الزهري ، ففي رواية عبد الرحمن بن خالد بن مسافر الماضية في الطب " فأصاب بطنها وهي حامل فقتل ولدها في بطنها " .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 263 ] وفي رواية مالك في هذا الباب " فطرحت جنينها " واستدل به على أن الحكم المذكور خاص بولد الحرة لأن القصة وردت في ذلك ، وقوله : " في إملاص المرأة " وإن كان فيه عموم لكن الراوي ذكر أنه شهد واقعة مخصوصة ، وقد تصرف الفقهاء في ذلك فقال الشافعية : الواجب في جنين الأمة عشر قيمة أمه كما أن الواجب في جنين الحرة عشر ديتها ، وعلى أن الحكم المذكور خاص بمن يحكم بإسلامه [1] ولم يتعرض لجنين محكوم بتهوده أو تنصره ، ومن الفقهاء من قاسه على الجنين المحكوم بإسلامه تبعا وليس هذا من الحديث ، وفيه أن القتل المذكور لا يجري مجرى العمد ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        واستدل به على ذم السجع في الكلام ، ومحل الكراهة إذا كان ظاهر التكلف ، وكذا لو كان منسجما لكنه في إبطال حق أو تحقيق باطل ، فأما لو كان منسجما وهو في حق أو مباح فلا كراهة ، بل ربما كان في بعضه ما يستحب مثل أن يكون فيه إذعان مخالف للطاعة كما وقع لمثل القاضي الفاضل في بعض رسائله " أو إقلاع عن معصية كما وقع لمثل أبي الفرج بن الجوزي في بعض مواعظه " .

                                                                                                                                                                                                        وعلى هذا يحمل ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وكذا عن غيره من السلف الصالح ، والذي يظهر لي أن الذي جاء من ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن عن قصد إلى التسجيع وإنما جاء اتفاقا لعظم بلاغته ، وأما من بعده فقد يكون كذلك وقد يكون عن قصد وهو الغالب ، ومراتبهم في ذلك متفاوتة جدا . والله أعلم .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية