الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : ما لم يكن حدثا ) عطف على بول أي ما لا يكون حدثا لا يكون نجسا ، وهذا عند أبي يوسف فالدم الذي لم يسل كما إذا أخذ بقطنة ، ولو كان كثيرا في نفسه والقيء القليل إذا وقع في الماء لا ينجسه وكذا إذا أصاب شيئا وقال محمد أنه نجس كذا في كثير من الكتب وظاهر ما في شرح الوقاية أن ظاهر الرواية عن أصحابنا الثلاثة أنه ليس بنجس وعند محمد في غير رواية الأصول أنه نجس ; لأنه لا أثر للسيلان في النجاسة فإذا كان السائل نجسا فغير السائل يكون كذلك ولنا قوله تعالى { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه } إلى قوله { أو دما مسفوحا } فغير المسفوح لا يكون محرما فلا يكون نجسا والدم الذي لم يسل عن رأس الجرح دم غير مسفوح فلا يكون نجسا فإن قيل هذا فيما يؤكل لحمه أما فيما لا يؤكل كالآدمي فغير المسفوح حرام أيضا فلا يمكن الاستدلال بحله على طهارته قلت لما حكم بحرمة المسفوح بقي غير المسفوح على أصله ، وهو الحل ويلزم منه الطهارة سواء كان فيما يؤكل لحمه أو لإطلاق النص ثم حرمة غير المسفوح في الآدمي بناء على حرمة لحمه وحرمة لحمه لا توجب نجاسته إذ هذه الحرمة للكرامة لا للنجاسة فغير المسفوح في الآدمي يكون على طهارته الأصلية مع كونه محرما والفرق بين المسفوح وغيره مبني على حكمة غامضة ، وهي أن غير المسفوح دم انتقل عن العروق وانفصل عن النجاسات وحصل له هضم آخر في الأعضاء وصار مستعدا لأن يصير عضوا فأخذ طبيعة العضو فأعطاه الشرع حكمه بخلاف دم العروق فإذا سأل عن رأس الجرح علم أنه دم انتقل من العروق في هذه الساعة ، وهو الدم النجس أما إذا لم يسل علم أنه دم العضو هذا في الدم أما في القيء فالقليل هو الماء الذي كان في أعالي المعدة ، وهي ليست محل النجاسة فحكمه حكم الريق كذا في شرح الوقاية ، وكان الإسكاف والهندواني يفتيان بقول محمد وصحح صاحب الهداية وغيره قول أبي يوسف

                                                                                        وقال في العناية قول أبي يوسف أرفق خصوصا في حق أصحاب القروح وفي فتح القدير أن الوجه يساعده ; لأنه ثبت أن الخارج بوصف النجاسة حدث وأن هذا الوصف قبل الخروج لا يثبت شرعا وإلا لم يحصل للإنسان طهارة فلزم أن ما ليس حدثا لم يعتبر خارجا شرعا وما لم يعتبر خارجا شرعا لم يعتبر نجسا ا هـ .

                                                                                        وذكر في السراج الوهاج أن الفتوى على قول أبي يوسف فيما إذا أصاب الجامدات كالثياب والأبدان وعلى قول محمد فيما إذا أصاب المائعات كالماء وغيره ا هـ .

                                                                                        وفي معراج الدراية ثم قوله ما لا يكون حدثا إلى آخره لا ينعكس فلا يقال ما لا يكون نجسا لا يكون حدثا ، فإن النوم والجنون والإغماء وغيرها حدث وليست بنجسة ا هـ .

                                                                                        لكن قد يقال إنه مطرد منعكس ; لأن المراد ما يخرج من بدن الإنسان وليس بحدث لا يكون نجسا وكذا ما يخرج من البدن وليس بنجس لا يكون حدثا ، وأما النوم ونحوه فلم يدخل في العكس في قولنا ما لا يكون نجسا لا يكون حدثا ; لأنه ليس بخارج من بدن الإنسان .

                                                                                        [ ص: 121 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 121 ] ( قوله : لا ينعكس إلخ ) أي لا ينعكس عكسا لغويا وإلا فالعكس المنطقي صحيح إذ الموجبة الكلية تنعكس موجبة جزئية كأن يقال بعض ما لا يكون نجسا لا يكون حدثا كالقيء القليل والدم البادي الغير المتجاور .




                                                                                        الخدمات العلمية