الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            1553 - ( وعن عطاء بن السائب قال : { أراد عبد الله بن المغيرة أن يأخذ من أرض موسى بن طلحة من الخضراوات صدقة ، فقال له موسى بن طلحة : ليس لك ذلك ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : ليس في ذلك صدقة } رواه الأثرم في سننه ، هو من أقوى المراسيل لاحتجاج من أرسله به )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الحديث أخرجه أيضا الدارقطني والحاكم من حديث إسحاق بن يحيى بن طلحة عن عمه موسى بن طلحة عن معاذ بلفظه وأما القثاء والبطيخ والرمان والقضب فعفو ، عفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحافظ : وفيه ضعف انقطاع . وروى الترمذي بعضه من حديث عيسى بن طلحة عن معاذ وهو ضعيف وقال الترمذي : ليس يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء ، يعني في الخضراوات ، إنما يروى عن موسى بن طلحة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا وذكره الدارقطني في العلل وقال : الصواب مرسل وروى البيهقي بعضه من حديث موسى بن طلحة قال : عندنا كتاب معاذ ورواه الحاكم وقال : موسى تابعي كبير لا ينكر أنه لقي معاذا وقال ابن عبد البر : لم يلق معاذا ولا أدركه .

                                                                                                                                            وكذلك قال أبو زرعة وروى البزار والدارقطني من طريق الحارث بن نبهان عن عطاء بن السائب عن موسى بن طلحة عن أبيه مرفوعا { ليس في الخضراوات صدقة } قال البزار : لا نعلم أحدا قال فيه عن أبيه إلا الحارث بن نبهان وقد حكى ابن عدي تضعيفه عن جماعة ، والمشهور عن موسى مرسل ورواه الدارقطني من طريق مروان بن محمد السنجاري عن جرير عن عطاء بن السائب فقال عن أنس بدل قوله : عن أبيه ، ولعله تصحيف منه ، ومروان مع ذلك ضعيف جدا وروى الدارقطني من حديث علي مثله ، وفيه الصقر بن حبيب وهو ضعيف جدا وفي الباب عن محمد بن جحش عند الدارقطني ، وفي إسناده عبد الله بن شبيب . قيل عنه : إنه يسرق الحديث وعن عائشة عند الدارقطني أيضا ، وفيه صالح بن موسى وفيه [ ص: 170 ] ضعف وعن علي مرفوعا عند البيهقي وعن عمر كذلك عنده والحديث يدل على عدم وجوب الزكاة في الخضراوات ، وإلى ذلك ذهب مالك والشافعي وقالا : إنما تجب الزكاة فيما يكال ويدخر للاقتيات وعن أحمد أنها تخرج مما يكال ويدخر ولو كان لا يقتات به .

                                                                                                                                            وقال أبو يوسف ومحمد : وأوجبها في الخضراوات الهادي والقاسم إلا الحشيش والحطب لحديث : { الناس شركاء في ثلاث } ووافقهما أبو حنيفة إلا أنه استثنى السعف والتبن واستدلوا على وجوب الزكاة في الخضراوات بعموم قوله تعالى: { خذ من أموالهم صدقة } ، وقوله : { ومما أخرجنا لكم من الأرض } ، وقوله : { وآتوا حقه يوم حصاده ، } وبعموم حديث { فيما سقت السماء العشر } ونحوه قالوا : وحديث الباب ضعيف لا يصلح لتخصيص هذه العمومات وأجيب بأن طرقه يقوي بعضها بعضا ، فينتهض لتخصيص هذه العمومات ويقوي ذلك ما أخرجه الحاكم والبيهقي والطبراني من حديث { أبي موسى ومعاذ حين بعثهما النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن يعلمان الناس أمر دينهم فقال : لا تأخذا الصدقة إلا من هذه الأربعة : الشعير والحنطة والزبيب والتمر } قال البيهقي : رواته ثقات وهو متصل .

                                                                                                                                            وما أخرجه الطبراني عن عمر قال : { إنما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة في هذه الأربعة } فذكرها .

                                                                                                                                            وهو من رواية موسى بن طلحة عن عمر قال أبو زرعة : موسى عن عمر مرسل وما أخرجه ابن ماجه والدارقطني من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ : { إنما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب } زاد ابن ماجه " والذرة " وفي إسناده محمد بن عبيد الله العرزمي وهو متروك وما أخرج البيهقي من طريق مجاهد قال : { لم تكن الصدقة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا في خمسة } فذكرها وأخرج أيضا من طريق الحسن فقال : { لم يفرض الصدقة النبي صلى الله عليه وسلم إلا في عشرة فذكر الخمسة المذكورة والإبل والبقر والغنم والذهب والفضة } وحكي أيضا عن الشعبي أنه قال : { كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن : إنما الصدقة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب } قال البيهقي : هذه المراسيل طرقها مختلفة وهي يؤكد بعضها بعضا ، ومعها حديث أبي موسى ، ومعها قول عمر وعلي وعائشة : " ليس في الخضراوات زكاة " انتهى .

                                                                                                                                            فلا أقل من انتهاض هذه الأحاديث لتخصيص تلك العمومات التي قد دخلها التخصيص بالأوساق والبقر العوامل وغيرهما ، فيكون الحق ما ذهب إليه الحسن البصري والحسن بن صالح والثوري والشعبي من أن الزكاة لا تجب إلا في البر والشعير والتمر والزبيب لا فيما عدا هذه الأربعة مما أخرجت الأرض .

                                                                                                                                            وأما زيادة الذرة في حديث عمرو بن شعيب فقد عرفت أن في إسنادها متروكا ولكنها متعضدة بمرسل مجاهد والحسن [ ص: 171 ]

                                                                                                                                            1554 - ( وعن عائشة قالت : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة فيخرص النخل حين يطيب قبل أن يؤكل منه ثم يخير يهود يأخذونه بذلك الخرص أو يدفعونه إليهم بذلك الخرص لكي يحصي الزكاة قبل أن تؤكل الثمار وتفرق } رواه أحمد وأبو داود ) .

                                                                                                                                            1555 - ( وعن عتاب بن أسيد { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث على الناس من يخرص عليهم كرومهم وثمارهم } رواه الترمذي وابن ماجه ) .

                                                                                                                                            1556 - ( وعنه أيضا قال : { أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرص العنب كما يخرص النخل ، فتؤخذ زكاته زبيبا كما تؤخذ صدقة النخل تمرا } رواه أبو داود والترمذي ) .

                                                                                                                                            1557 - ( وعن سهل بن أبي حثمة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث ، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع } رواه الخمسة إلا ابن ماجه ) حديث عائشة فيه واسطة بين ابن جريج والزهري ولم يعرف وقد رواه عبد الرزاق والدارقطني بدون الواسطة المذكورة ، وابن جريج مدلس فلعله تركها تدليسا وذكر الدارقطني الاختلاف فيه فقال : رواه صالح عن أبي الأخضر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة ، وأرسله معمر ومالك وعقيل ولم يذكروا أبا هريرة .

                                                                                                                                            وحديث عتاب بن أسيد أخرجه أيضا باللفظ الأول أبو داود وابن حبان ، وباللفظ الثاني النسائي وابن حبان والدارقطني ، ومداره على سعيد بن المسيب عن عتاب ، وقد قال أبو داود : لم يسمع منه ، وقال ابن قانع : لم يدركه وقال المنذري : انقطاعه ظاهر لأن مولد سعيد في خلافة عمر ، ومات عتاب يوم مات أبو بكر ، وسبقه إلى ذلك ابن عبد البر وقال ابن السكن : لم يرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجه غير هذا ، وقد رواه الدارقطني بسند فيه الواقدي فقال : عن سعيد بن المسيب عن المسور بن مخرمة عن عتاب بن أسيد . وقال أبو حاتم : الصحيح عن سعيد بن المسيب " أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عتابا " مرسل وهذه رواية عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري وحديث سهل بن أبي حثمة أخرجه أيضا ابن حبان [ ص: 172 ] والحاكم وصححاه ، وفي إسناده عبد الرحمن بن مسعود بن نيار الراوي عن ابن أبي حثمة وقد قال البزار : إنه انفرد به وقال ابن القطان : لا يعرف حاله قال الحاكم : وله شاهد بإسناد متفق على صحته أن عمر بن الخطاب أمر به ومن شواهده ما رواه ابن عبد البر عن جابر مرفوعا { خففوا في الخرص } الحديث وفي إسناده ابن لهيعة

                                                                                                                                            والأحاديث المذكورة تدل على مشروعية الخرص في العنب والنخل وقد قال الشافعي في أحد قوليه بوجوبه مستدلا بما في حديث عتاب من " أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك .

                                                                                                                                            وذهبت العترة ومالك وروى الشافعي إلى أنه جائز فقط وذهبت الهادوية وروي عن الشافعي أيضا إلى أنه مندوب وقال أبو حنيفة : لا يجوز لأنه رجم بالغيب والأحاديث المذكورة ترد عليه وقد قصر جواز الخرص على مورد النص بعض أهل الظاهر فقال : لا يجوز إلا في النخل والعنب ، ووافقه على ذلك شريح وأبو جعفر وابن أبي الفوارس ، وقيل : يقاس عليه غيره مما يمكن ضبطه بالخرص واختلف في خرص الزرع فأجازه للمصلحة الإمام يحيى ومنعته الهادوية والشافعية

                                                                                                                                            قوله : ( ودعوا الثلث ) قال ابن حبان : له معنيان : أحدهما أن يترك الثلث أو الربع من العشر . وثانيهما أن يترك ذلك من نفس الثمرة قبل أن تعشر وقال الشافعي أن يدع ثلث الزكاة أو ربعها ليفرقها هو بنفسه وقيل : يدع له ولأهله قدر ما يأكلون ولا يخرص وأخرج أبو نعيم في الصحابة من طريق الصلت بن زبيد بن الصلت عن أبيه عن جده { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمله على الخرص فقال : أثبت لنا النصف وبق لهم النصف فإنهم يسرقون ولا تصل إليهم }

                                                                                                                                            1558 - ( وعن الزهري عن أبي أمامة بن سهل عن أبيه قال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجعرور ولون الحبيق أن يؤخذا في الصدقة } قال الزهري : تمرين من تمر المدينة رواه أبو داود ) .

                                                                                                                                            1559 - ( وعن أبي أمامة بن سهل في الآية التي قال الله عز وجل : { { ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ، } ، قال : هو الجعرور ولون الحبيق ، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤخذ في الصدقة الرذالة } رواه النسائي ) الحديث الأول سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده رجال الصحيح

                                                                                                                                            والحديث الثاني في إسناده عبد الجليل بن حبيب اليحصبي ولا بأس به وبقية رجاله رجال الصحيح [ ص: 173 ] وقد أخرج نحوه الترمذي وقال : حسن صحيح غريب من حديث البراء ، قال في قوله تعالى: { ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون } ، نزلت فينا معشر الأنصار كنا أصحاب نخل ، فكان الرجل يأتي من نخله على قدر كثرته وقلته وكان الرجل يأتي بالقنو والقنوين فيعلقه في المسجد وكان أهل الصفة ليس لهم طعام ، فكان أحدهم إذا جاع أتى القنو فضربه بعصاه فسقط البسر والتمر فيأكل ، وكان ناس ممن لا يرغب في الخير يأتي الرجل بالقنو فيه الشيص والحشف والقنو قد انكسر فيعلقه ، فأنزل الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه } ، قال : لو أن أحدكم أهدي إليه مثل ما أعطى لم يأخذه إلا على إغماض وحياء قال : فكنا بعد ذلك يأتي أحدنا بصالح ما عنده

                                                                                                                                            قوله : ( الجعرور ) بضم الجيم وسكون العين المهملة وضم الراء وسكون الواو بعدها راء قال في القاموس : هو تمر رديء قوله : ( ولون الحبيق ) بضم الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة وسكون التحتية بعدها قاف قال في القاموس : حبيق كزبير : تمر دقل قوله : ( الرذالة ) بضم الراء بعدها ذال معجمة : هي ما انتفى جيده كما في القاموس قوله : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . إلخ ) فيه دليل على أنه لا يجوز للمالك أن يخرج الرديء عن الجيد الذي وجبت فيه الزكاة نصا في التمر وقياسا في سائر الأجناس التي تجب فيها الزكاة ، وكذلك لا يجوز للمصدق أن يأخذ ذلك




                                                                                                                                            الخدمات العلمية