الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
951 634 - (948) - (1 \ 117) عن علي، قال: لما قدمنا المدينة أصبنا من ثمارها، فاجتويناها وأصابنا بها وعك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتخبر عن بدر، فلما بلغنا أن المشركين قد أقبلوا، سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر، وبدر بئر، فسبقنا المشركين إليها، فوجدنا فيها رجلين منهم، رجلا من قريش، ومولى لعقبة بن أبي معيط، فأما القرشي فانفلت، وأما مولى عقبة فأخذناه، فجعلنا نقول له: كم القوم؟ فيقول: هم والله كثير عددهم، شديد بأسهم. فجعل المسلمون إذا قال ذلك ضربوه، حتى انتهوا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: " كم القوم؟ " قال: هم والله كثير عددهم، شديد بأسهم فجهد النبي صلى الله عليه وسلم أن يخبره كم هم، فأبى ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم سأله: " كم ينحرون من الجزر؟ " فقال: عشرا كل يوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " القوم ألف، كل جزور لمائة وتبعها ".

ثم إنه أصابنا من الليل طش من مطر، فانطلقنا تحت الشجر والحجف نستظل تحتها، من المطر، وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ربه عز وجل، ويقول: " اللهم إنك إن تهلك هذه الفئة لا تعبد " قال: فلما طلع الفجر نادى: " الصلاة عباد الله "، فجاء الناس من تحت الشجر، والحجف، فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحرض على القتال، ثم قال: " إن جمع قريش تحت هذه الضلع الحمراء من الجبل ". فلما دنا القوم منا وصاففناهم إذا رجل منهم على جمل له أحمر يسير في القوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا علي ناد لي حمزة - وكان أقربهم من المشركين - : من صاحب الجمل الأحمر، وماذا يقول لهم؟ " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن يكن في القوم أحد يأمر بخير، فعسى أن يكون صاحب الجمل الأحمر " فجاء حمزة فقال: هو عتبة بن ربيعة، وهو ينهى عن القتال،

[ ص: 439 ] ويقول لهم: يا قوم، إني أرى قوما مستميتين لا تصلون إليهم وفيكم خير، يا قوم اعصبوها اليوم برأسي، وقولوا: جبن عتبة بن ربيعة، وقد علمتم أني لست بأجبنكم، قال: فسمع ذلك أبو جهل، فقال: أنت تقول هذا؟ والله لو غيرك يقول هذا لأعضضته، قد ملأت رئتك جوفك رعبا، فقال عتبة: إياي تعير يا مصفر استه؟ ستعلم اليوم أينا الجبان.

قال: فبرز عتبة وأخوه شيبة وابنه الوليد حمية، فقالوا: من يبارز؟ فخرج فتية من الأنصار ستة، فقال عتبة: لا نريد هؤلاء، ولكن يبارزنا من بني عمنا، من بني عبد المطلب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قم يا علي، وقم يا حمزة، وقم يا عبيدة بن الحارث بن المطلب " فقتل الله تعالى عتبة، وشيبة، ابني ربيعة، والوليد بن عتبة، وجرح عبيدة، فقتلنا منهم سبعين، وأسرنا سبعين، فجاء رجل من الأنصار قصير بالعباس بن عبد المطلب أسيرا، فقال العباس: يا رسول الله، إن هذا والله ما أسرني، لقد أسرني رجل أجلح، من أحسن الناس وجها، على فرس أبلق، ما أراه في القوم، فقال الأنصاري: أنا أسرته يا رسول الله، فقال: " اسكت، فقد أيدك الله تعالى بملك كريم " فقال علي: " فأسرنا من بني عبد المطلب: العباس، وعقيلا، ونوفل بن الحارث ".


التالي السابق


* قوله: "عن حارثة بن مضرب" : ضبط - بضم ميم وتشديد راء مكسورة - .

وفي "المجمع": رجاله رجال الصحيح غير حارثة بن مضرب، وهو ثقة.

* قوله: "فاجتوينا" : أي: فوجدناها غير موافقة لطباعنا، وكرهنا المقام بها، يقال: اجتويت البلد: إذا كرهت المقام فيه.

* "وعك" : - بفتح فسكون - ; أي: الحمى.

* "يتخبر" : أي: عن الأخبار ليعرفها.

[ ص: 440 ] * "فسبقنا" : - بسكون القاف - .

* "المشركين" : هكذا في النسخة المصلحة، و"الترتيب"، وهو الموافق لما بعده، لكنه مخالف للمشهور أن المشركين سبقوا المسلمين إلى الماء.

وفي "المجمع": فسبقنا المشركون - بالرفع - ، وهو الموافق للمشهور، إلا أنه لا يساعده ما بعده.

* "فجهد" : كمنع; أي: اجتهد وجد.

* "من الجزر" : جمع جزور.

* "لمئة وتبعها" : - بفتحتين - ; أي: أتباع المئة.

* "طش" : - بفتح فتشديد - : المطر الضعيف.

* "والحجف" : - بتقديم مهملة مفتوحة على جيم مفتوحة - الواحدة حجفة، وهي الترس.

* "إن تهلك" : من الإهلاك أو الهلاك.

* "هذه الفئة" : - بالنصب على الأول، وبالرفع على الثاني - .

* "لا تعبد" : على بناء المفعول.

* "الصلاة" : - بالنصب - ; أي: احضروا، أو - بالرفع - ; أي: حضرت.

* "وحرض" : من التحريض.

* "الضلع" : - بكسر ضاد معجمة وفتح لام - : الجبيل المتفرد، وقال أبو نصر: الجبل الذليل المستدق.

* "أقربهم" : أقرب المسلمين.

* "من صاحب؟" : "من "استفهامية، والتقدير: لأسأله: من صاحب الجمل؟

[ ص: 441 ] * "مستميتين" : المستميت كالمستقيم: هو الشجاع الطالب للموت.

- وفي "النهاية": هو الذي يقاتل على الموت.

* "اعصبوها" : أمر من عصب; كضرب.

وفي "النهاية": الضمير للسبة التي تلحقهم بترك الحرب والجنوح إلى الصلح، أضمرت اعتمادا على فهم المخاطبين; أي: انسبوا هذه الذميمة إلي.

* "جبن" : ككرم.

* "لأعضضته" : من أعضه الشيء: جعله يعضه، والمفعول الثاني محذوف; بقرينة المقام، ترك تهجينا لذكره; أي: هن أبيه أو نحوه.

* "رئتك" : الرئة: موضع النفس من الحيوان، تنتفخ عند الخوف والرعب - بضم فسكون أو ضمتين - : الخوف.

* "تعير" : من التعيير.

* "يا مصفر استه" : اسم فاعل من صفر - بالتشديد - : إذا أصبغه بالصفرة، والاست معلوم، قيل: رماه بالأبنة، وأنه كان يزعفر استه، وقيل: كلمة تقال للمتنعم المترف الذي لم يجرب الشدائد، وقيل: أراد: يا ضراط نفسه; من الصفير، وهو الصوت بالفم والشفتين، كأنه قال: يا ضراط! نسبه إلى الجبن، وقيل: كان به برص، فكان يردعه بالزعفران.

قلت: في "الصحاح": قولهم في الشتم: فلان مصفر استه، هو من الصفير، لا من الصفر; أي: ضراط، ووافقه صاحب "القاموس".

[ ص: 442 ] * "وجرح" : على بناء المفعول; من الجرح.

* "أجلح" : - هو بجيم ثم حاء مهملة - : هو من الناس من انحسر الشعر عن جانبي جبهته.

* * *




الخدمات العلمية