الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                611 ص: فهذا عبد الله قد أنكر أن يكون مع النبي - عليه السلام - ليلة الجن، فهذا الباب إن كان يؤخذ من طريق صحة الإسناد، فهذا الحديث الذي فيه الإنكار أولى؛ لاستقامة طريقه وثبت رواته، وإن كان من طريق النظر فإنا رأينا الأصل المتفق عليه أنه لا يتوضأ بنبيذ الزبيب ولا بالخل، فكان النظر على ذلك أن يكون نبيذ التمر أيضا كذلك.

                                                [ ص: 291 ] وقد أجمع العلماء أن نبيذ التمر إذا كان موجودا في الحال وجود الماء، أنه لا يتوضأ به؛ لأنه ليس بماء، فلما كان خارجا من حكم المياه في حال وجود الماء، كان كذلك هو في حال عدم الماء.

                                                وحديث ابن مسعود الذي فيه التوضؤ بنبيذ التمر إنما فيه: أن النبي - عليه السلام - توضأ به وهو غير مسافر، لأنه إنما خرج من مكة يريدهم، فقيل: إنه توضأ بنبيذ التمر في ذلك المكان، وهو في حكم من هو بمكة، ، لأنه يتم الصلاة [1\ق159-أ] فهو أيضا في حكم استعمال ذلك النبيذ هنالك، في حكم استعماله إياه في مكة ، فلو ثبت بهذا الأثر أن النبيذ مما يجوز التوضؤ به في الأمصار والبوادي ثبت أنه يجوز التوضؤ به في حال وجود الماء وفي حال عدمه. فلما أجمعوا على ترك ذلك والعمل بضده، فلم يجيزوا التوضؤ به في [الأمصار] ، ولا فيما حكمه حكم الأمصار؛ ثبت بذلك تركهم لذلك الحديث، وخرج حكم ذلك النبيذ من حكم سائر المياه.

                                                فثبت بذلك أنه لا يجوز التوضؤ به في حال من الأحوال، وهذا هو قول أبي يوسف ، رحمه الله وهو النظر عندنا، والله أعلم.

                                                التالي السابق


                                                ش: هذا كله ظاهر، ولكنه لا يخلو عن مناقشة ونظر؛ لأنا قد ذكرنا أن الخبر الذي فيه الوضوء بالنبيذ، وكون ابن مسعود - رضي الله عنه - مع النبي - عليه السلام - ليلتئذ، قد ورد من طرق متعددة. وأن خبر "مسلم" ونحوه محمول على أنه ما كان معه وقت خطاب الجن، وكيف وقد عمل به نجباء الصحابة من بعده؟!

                                                ولئن سلمنا أن القياس يقتضي ما ذكره، ولكنه ورد [الخبر] على خلافه فنعمل به. ولو قيل: هذا خبر آحاد قد ورد على مخالفة الكتاب، فلا يثبت ولا يعمل به، فالجواب عنه ما قدمناه.

                                                [ ص: 292 ] قوله: "فإذا رأينا الأصل المتفق عليه أنه لا يتوضأ بنبيذ الزبيب" فيه نظر؛ لأن الأوزاعي يرى الوضوء بسائر الأنبذة مطلقا، على أي وجه كان.

                                                قوله: "فلما كان خارجا" أي فلما كان نبيذ التمر خارجا "عن حكم المياه ... " إلى آخره، فيه نظر لأنه ليس بخارج عن حد المياه عند عدم الماء المطلق، لقوله - عليه السلام - "تمرة طيبة وماء طهور". أطلق عليه عند عدم الماء المطلق أنه ماء، وأنه طهور، فكيف يستوي حكمه في الحالتين؟!




                                                الخدمات العلمية