الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولو قال : والله لا أكلمك اليوم وغدا دخلت الليلة التي بين اليوم والغد في يمينه ; لأن ههنا جمع بين الوقت الثاني وبين الأول بحرف الجمع وهو الواو فصار وقتا واحدا فدخلت الليلة المتخللة .

                                                                                                                                وروى بشر عن أبي يوسف أن الليلة لا تدخل ; لأنه عقد اليمين على النهار ولا ضرورة توجب إدخال الليل فلا يدخل ، ولو حلف لا يكلمه يومين تدخل فيه الليلة سواء كان قبل طلوع الفجر أو بعده ، وكذلك الجواب في الليل ، ولو قال : والله لا أكلمك يوما ولا يومين فهو مثل قوله والله لا أكلمك ثلاثة أيام في قول أبي حنيفة ومحمد ، حتى لو كلمه في اليوم الأول أو الثاني أو الثالث يحنث ، وكذلك روى بشر عن أبي يوسف ، هكذا ذكر الكرخي في مختصره .

                                                                                                                                وذكر محمد في الجامع أنه على يومين حتى لو كلمه في اليوم الأول أو الثاني يحنث ، وإن كلمه في اليوم الثالث لا يحنث .

                                                                                                                                وجه ما ذكره الكرخي ظاهر لأنه عطف اليومين على اليوم والمعطوف غير المعطوف عليه فاقتضى يومين آخرين غير الأول فصار كأنه قال : والله لا أكلم فلانا يوما ويومين ، أو قال ثلاثة أيام .

                                                                                                                                وجه ما ذكره محمد في الجامع أن كل واحد منهما يمين مفردة لانفراد كل واحد منهما بكلمة النفي ، والواو للجمع بين اليمينين ، وصار تقديره أكلم فلانا يوما ولا أكلمه يومين لئلا تلغو كلمة النفي فصار لكل يمين مدة على حدة فصار على اليوم الأول يمينان وعلى اليوم الثاني يمين واحد ، بخلاف ما إذا قال : والله لا أكلم فلانا يوما ويومين فكلمه في اليوم الثالث أنه يحنث ، لأنه لما لم يعد كلمة النفي فلم يوجد ما يدل على أنه أراد نفي الكلام في كل مرة على حدة ليكون يمينين فبقي يمينا واحدة ، والواو للجمع بين المدتين كما لو جمع بين المدتين بكلمة الجمع فقال : والله لا أكلم فلانا ثلاثة أيام ، والدليل على التفرقة بينهما أنه لو قال : والله لا أكلم زيدا ولا عمرا فكلم أحدهما يحنث ، ولو قال : والله لا أكلم زيدا وعمرا فما لم يكلمهما لا يحنث .

                                                                                                                                وقال بشر عن أبي يوسف لو قال : والله لا أدخل الدار يوما ويوما فهو مثل حلفه على يومين .

                                                                                                                                قال أبو يوسف : ولا يشبه هذا قوله ولا أدخلها اليوم وغدا ، لأن قوله يوما ويوما عطف زمان منكر على زمان منكر فصار كقوله يومين فيدخل الليل ، وقوله اليوم وغدا عطف زمان معين على زمان معين ولا ضرورة إلى إدخال الليل فيه فلا يدخل ، ولو قال : والله لا أكلم زيدا يوما والله لا أكلمه يومين والله لا أكلمه ثلاثة أيام فاليوم الأول من حين فرغ من اليمين الثالثة عليه ثلاثة أيام ، واليوم الثاني عليه يمينان : الثانية والثالثة ، واليوم الثالث عليه يمين واحدة وهي الثالثة ، لأن كل يمين ذكرها تختص بما يعقبها فانعقدت اليمين الأولى على الكلام في يوم عقيب اليمين ، والثانية في يومين عقيب اليمين ، والثالثة في ثلاثة أيام عقيب اليمين ، فانعقدت على الكلام في اليوم الأول ثلاثة أيمان ، وعلى الثاني يمينان ، وعلى الثالث واحدة ، ونظير هذه المسائل ما روى داود بن رشيد عن محمد فيمن قال والله لا أكلمك اليوم سنة ، أو لا أكلمك اليوم شهرا ; فعليه أن يدع كلامه في ذلك اليوم شهرا وفي ذلك اليوم سنة حتى يكمل كلما دار ذلك اليوم في ذلك الشهر أو في تلك السنة ; لأن اليوم الواحد يستحيل أن يكون شهرا أو سنة فلم يكن ذلك مراد الحالف فكان مراده أن لا يكلمه في مثله شهرا أو سنة ، فإن قال : لا أكلمك اليوم عشرة أيام وهو في يوم السبت فهذا على سبتين ; [ ص: 50 ] لأن اليوم لا يكون عشرة أيام فلم يكن ذلك مرادا فيقع على عشرة أيام لأنه لا يدور في عشرة أيام أكثر من سبت واحد ، وكذلك لو قال : والله لا أكلمك السبت مرتين كان على سبتين ; لأن السبت لا يكون يومين فكان المراد منه مرتين ، وكذلك لو قال : لا أكلمك يوم السبت ثلاثة أيام كان كلها يوم السبت لما بينا ، ولو قال لا أكلمك يوما ما أو لا أكلمك يوم السبت يوما فله أن يجعله أي يوم شاء لأنه عقد يمينه على يوم شائع في أيام ، فكان التعيين إليه .

                                                                                                                                وقال ابن سماعة عن محمد فيمن قال لا أكلمك يوما بين يومين ولا نية له قال : فكل يوم بين يومين ، وهو عندي بمنزلة قوله لا أكلمك يوما فيكون على يوم من ساعة حلف ، والله - عز وجل - أعلم

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية