الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى : ( وإن كان الثوب نجسا فغمسه في إناء فيه دون القلتين من الماء نجس الماء ، ولم يطهر الثوب ، ومن أصحابنا من قال : إن قصد إزالة النجاسة لم ينجسه وليس بشيء ; لأن القصد لا يعتبر في إزالة النجاسة ولهذا يطهر بماء المطر وبغسل المجنون قال أبو العباس بن القاص : إذا كان ثوب كله نجس فغسل بعضه في جفنة ثم عاد فغسل ما بقي لم يطهر حتى يغسل الثوب كله دفعة واحدة ; لأنه إذا صب على بعضه ماء ورد جزءا من البعض الآخر على الماء فنجسه وإذا نجس الماء نجس الثوب ) .

                                      [ ص: 615 ]

                                      التالي السابق


                                      [ ص: 615 ] الشرح ) أما المسألة الأولى فسبق بيانها قريبا في المسألة الخامسة من المسائل السابقة ، وقوله : " ومن أصحابنا من قال " هو ابن سريج ، وقوله : " ولهذا يطهر بماء المطر وبغسل المجنون " ظاهره أن ابن سريج يوافق على هذا ولا يبعد أنه يخالف فيه فقد نقل عنه اشتراط النية في إزالة النجاسة كما سبق في باب نية الوضوء ، وأما المسألة الثانية ، وهي مسألة ابن القاص فهي مشهورة عنه لكن قال المحاملي في التجريد في باب المياه : هذا غلط من ابن القاص ، قال : وقال عامة أصحابنا : يطهر الثوب .

                                      وقال صاحب البيان : حكى صاحب الإفصاح والشيخ وأبو حامد والمحاملي أن ابن القاص قال : إذا كان الثوب كله نجسا فغسل نصفه ثم عاد إلى ما بقي فغسله لم يطهر حتى يغسله كله قال : لأنه إذا غسل نصفه فالجزء الرطب الذي يلاصق الجزء اليابس النجس ينجس به ; لأنه ملاصق ; لما هو نجس ، ثم الجزء الذي بعده ينجس بملاصقته الجزء الأول ثم الذي بعده ينجس بملاصقته حتى ينجس جميع الأجزاء إلى آخر الثوب .

                                      قال الشيخ أبو حامد : غلط ابن القاص بل يطهر الثوب ; لأن الجزء الذي يلاصق الجزء النجس ينجس به ; لأنه لاقى عين النجاسة ، فأما الجزء الذي يلاصق ذلك الجزء فلا ينجس به ; لأنه لاقى ما هو نجس حكما لا عينا ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح { في الفأرة تموت في السمن الجامد : ألقوها وما حولها وكلوا سمنكم } فحكم صلى الله عليه وسلم بنجاسة ما لاقى عين النجاسة دون الجزء المتصل بذلك المتنجس ، ولو كان كما قال ابن القاص لنجس السمن كله .

                                      وأما ابن الصباغ فحكى أن ابن القاص قال : إذا غسل نصفه في جفنة ثم عاد فغسل النصف الآخر لم يطهر حتى يغسله كله وحكى عنه العلة التي ذكرها عنه الشيخ أبو حامد قال ابن الصباغ : والحكم كما قاله ابن القاص لكن أخطأ في الدليل ، بل الدليل لما قاله : أن الثوب إذا وضع نصفه في الجفنة وصب عليه ماء يغمره لاقى هذا الماء جزءا مما لم يغسله وذلك الجزء نجس وهو وارد على دون القلتين فنجسه وإذا نجس الماء نجس الثوب .

                                      قال صاحب البيان : وعندي أنهما مسألتان فإن غسل نصفه في جفنة فالحكم ما قاله ابن القاص ، وإن غسل نصفه بصب الماء عليه بغير جفنة فالحكم ما قاله [ ص: 616 ] الشيخ أبو حامد ، هذا آخر كلام صاحب البيان وقد رأيت أنا المسألة في التلخيص لابن القاص كما نقلها المصنف وابن الصباغ فإنه قال : لو أن ثوبا نجسا كله غسل بعضه في جفنة ثم عاد إلى ما بقي فغسله لم يجز حتى يغسل الثوب دفعة واحدة ، هذا كلامه بحروفه قال القفال في شرحه : في هذه المسألة وجهان الصحيح ما قال ابن القاص وهو أن جميع الثوب نجس قال : وقال صاحب الإفصاح : يطهر واستدل بحديث فأرة السمن قال القفال : والصواب قول ابن القاص .

                                      واستدل له بنحو ما ذكره ابن الصباغ وفرق بينه وبين السمن بأنه جامد لا يتراد قال : ونظير مسألتنا السمن الذائب فحصل أن الصحيح ما قاله ابن القاص ، ووافقه عليه القفال والمصنف وابن الصباغ وصاحب البيان .

                                      ويحمل كلام الآخرين على ما حمله صاحب البيان وعليه يحمل ما نقله الرافعي عن الأصحاب أنهم قالوا : لو غسل أحد نصفي ثوب ثم نصفه الآخر ، فوجهان أحدهما لا يطهر حتى يغسل كله دفعة واحدة وأصحهما : أنه إن غسل مع النصف الثاني ما يجاوره من النصف الأول طهر الثوب كله ، وإن اقتصر على النصفين فقط طهر الطرفان وبقي المنتصف نجسا فيغسله وحده والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية