الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب من تجب عليه زكاة الفطر

                                                                                                          حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يخرج زكاة الفطر عن غلمانه الذين بوادي القرى وبخيبر وحدثني عن مالك أن أحسن ما سمعت فيما يجب على الرجل من زكاة الفطر أن الرجل يؤدي ذلك عن كل من يضمن نفقته ولا بد له من أن ينفق عليه والرجل يؤدي عن مكاتبه ومدبره ورقيقه كلهم غائبهم وشاهدهم من كان منهم مسلما ومن كان منهم لتجارة أو لغير تجارة ومن لم يكن منهم مسلما فلا زكاة عليه فيه قال مالك في العبد الآبق إن سيده إن علم مكانه أو لم يعلم وكانت غيبته قريبة وهو يرجو حياته ورجعته فإني أرى أن يزكي عنه وإن كان إباقه قد طال ويئس منه فلا أرى أن يزكي عنه قال مالك تجب زكاة الفطر على أهل البادية كما تجب على أهل القرى وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          27 - باب من تجب عليه زكاة الفطر

                                                                                                          ضيفت للفطر لوجوبها بالفطر من رمضان ، وقال ابن قتيبة : المراد بزكاة الفطر زكاة النفوس مأخوذ من الفطرة التي هي أصل الخلقة والأول أظهر ، ويؤيده الحديث الآتي : " فرض زكاة الفطر من رمضان " ، وعبر في الترجمة بالوجوب إشارة إلى حمل الفرض في الحديث عليه ، وقد حكى ابن المنذر الإجماع على ذلك ، وكذا ابن عبد البر مضعفا قول من قال بالسنية ، يعني فلا يقدح في حكاية الإجماع ثم الكافة على أن وجوبها لم ينسخ خلافالإبراهيم بن علية وأبي بكر بن كيسان الأصم في قولهما أنه نسخ لما رواه النسائي وغيره عن قيس بن سعد بن عبادة قال : " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا ولم ينهنا ونحن نفعله " ، وتعقب بأن في إسناده راويا مجهولا ، وعلى تقدير الصحة فلا دليل على النسخ لاحتمال الاكتفاء بالأمر الأول ؛ لأن نزول فرض لا يوجب سقوط فرض آخر .

                                                                                                          626 624 - ( مالك ، عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يخرج زكاة الفطر عن غلمانه ) أرقائه ( الذين بوادي القرى ) بضم القاف وفتح الراء مقصور موضع بقرب المدينة ( وبخيبر ) بمعجمة وتحتية فموحدة فراء - بوزن جعفر - مدينة كبيرة ، ذات حصون ومزارع ونخل كثير ، على نحو أربعة أيام من المدينة إلى جهة الشام .

                                                                                                          [ ص: 215 ] ( مالك أن أحسن ما سمعت فيما يجب على الرجل من زكاة الفطر ، أن الرجل يؤدي ذلك عن كل من يضمن نفقته ) ضمان وجوب كما قال ( ولا بد له ) فلا فراق ولا محالة ( من أن ينفق عليه ) كزوجته ( والرجل يؤدي عن مكاتبه ) لأنه عبد ما بقي عليه درهم ، ولأن الأصل أن السيد يمونه ، ولكنه لكتابته اشترط عليه ما هو لازم للسيد من مؤنته ، فبقيت زكاة الفطر على السيد ، وبها قال عطاء وأبو ثور ، وقال الأئمة الثلاثة وهي رواية عن مالك أيضا : لا زكاة عليه في مكاتبه ؛ لأنه لا يمونه وجائز له أخذ الصدقة وإن كان مولاه غنيا ، وروي عن ابن عمر ( ومدبره ) فإنه لا خلاف أنه كالقن ( ورقيقه كلهم غائبهم وشاهدهم ) حاضرهم عطف عام قدم عليه الخاص اهتماما به لفضله نحو : ( سبعا من المثاني والقرآن العظيم ) ( سورة الحجر : الآية 87 ) وقيد الجميع بقوله : ( من كان منهم مسلما ومن كان منهم لتجارة أو لغير تجارة ) وبهذا قال الشافعي وأحمد والليث والأوزاعي وإسحاق والجمهور ، وقال أبو حنيفة والثوري وغيرهما : لا زكاة فطر في رقيق التجارة ؛ لأن عليه فيهم الزكاة ولا تجب في مال واحد زكاتان .

                                                                                                          ( ومن لم يكن منهم مسلما فلا زكاة عليه فيه ) لأن الحديث قيد بقوله من المسلمين .

                                                                                                          ( قال مالك في العبد الآبق : إن سيده إن علم مكانه أو لم يعلم وكانت غيبته قريبة وهو يرجو حياته ورجعته ) رجوعه إليه ( فإني أرى أن يزكي عنه ) وجوبا ( وإن كان إباقه قد طال ويئس منه فلا أرى أن يزكي عنه ) وقال أبو حنيفة : لا زكاة على سيده فيهما ، والشافعي : يزكي إن علم حياته ، وإن لم يرج رجعته ، وأحمد : إن علم مكانه .

                                                                                                          ( قال مالك : تجب زكاة الفطر على أهل البادية كما تجب على أهل القرى ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان ) قال الجمهور : أي ألزم وأوجب ( على الناس ) وقالت طائفة : قدر ، [ ص: 216 ] ورده الباجي : بأن " على " تقتضي الإيجاب ، فلا يصح أن " فرض " بمعنى " قدر " ، ولأن الموجب عليه غير الموجب عنه ، وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم أمر بذلك وهو يدل على أنه لا يراد به قدر ، ( على كل حر أو عبد ، ذكر أو أنثى من المسلمين ) فعمومه شامل لأهل البادية ، فهذا نص من الإمام بصحة الاحتجاج بالعموم وبهذا قال الجمهور ، وقال الليث والزهري وربيعة : ليس على أهل البادية زكاة فطر إنما هي على أهل القرى .




                                                                                                          الخدمات العلمية