الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( الثالث ) قد نقل عن أبي الحسن الأشعري أنه لا بد من انبناء الاعتقاد في كل مسألة من الأصول على دليل عقلي ، لكن يشترط الاقتدار على التعبير عنه ، وعلى مجادلة الخصوم ، ودفع الشبه ، قال السعد التفتازاني في ( شرح المقاصد ) : هذا هو المشهور عن الأشعري حتى حكي عنه أن من لم يكن كذلك لم يكن مؤمنا . انتهى .

قال في جمع الجوامع : وعن الأشعري لا يصح إيمان المقلد . قال شارحه : وشنع عليه أقوام بأنه يلزمه تكفير العوام ، وهم غالب المؤمنين ، وقال القشيري : مكذوب عليه .

قال التاج السبكي : والتحقيق أنه إن كان التقليد أخذا لقول الغير بغير حجة مع احتمال شك أو وهم بأن لا يجزم به ، فلا يكفي إيمان المقلد قطعا ، لأنه لا إيمان مع أدنى تردد فيه ، وإن كان التقليد أخذا لقول الغير بغير حجة لكن جزما فيكفي إيمان المقلد عند الأشعري وغيره خلافا لأبي هاشم [ ص: 274 ] المعتزلي في قوله : لا يكفي بل لا بد لصحة الإيمان من النظر .

وقد وافق النقل عن الأشعري جماعة منهم القاضي ، وإمام الحرمين وغيرهما ، قالوا : قال الجمهور بعدم صحة الاكتفاء بالتقليد في العقائد الدينية حتى زعم بعضهم أنه مجمع عليه ، وعزاه ابن القصار للإمام مالك - رضي الله عنه - .

والمشهور نقل بعضهم عن الجمهور عدم جواز التقليد في العقائد الدينية وأنهم اختلفوا في المقلد ، منهم من قال أنه مؤمن إلا أنه عاص بترك المعرفة التي ينتجها النظر الصحيح ، ومنهم من فصل فقال : هو مؤمن عاص ، إن كان فيه أهلية لفهم النظر الصحيح ، وغير عاص إن لم يكن فيه أهلية ذلك ، ومنهم من نقل عن طائفة أن من قلد القرآن والسنة القطعية صح إيمانه لاتباعه القطعي ، ومن قلد غير ذلك لم يصح إيمانه لعدم أمن الخطأ على غير المعصوم ، ومنهم من جعل النظر والاستدلال شرطا للكمال ، ومنهم من حرم النظر كما مر ذلك .

قال الجلال المحلي في شرح ( جمع الجوامع ) : وقد اتفقت الطرق الثلاث - يعنى الموجبة للنظر ، والمجوزة له ، والمحرمة - على صحة إيمان المقلد ، انتهى .

وعبارة الآمدي في ( الأبكار ) اتفق الأصحاب على انتفاء كفر المقلد ، وأنه ليس للجمهور إلا القول بعصيانه بترك النظر إن قدر عليه مع اتفاقهم على صحة إيمانه وأنه لا يعرف القول بعدم صحة إيمان المقلد إلا لأبي هاشم بن أبي علي الجبائي من المعتزلة محتجا بأن من لم يعرف الله سبحانه وتعالى بالدليل فهو كافر . قال الآمدي : وأصحابنا مجمعون على خلافه .

وقال الإمام أبو منصور الماتريدي رئيس الطائفة الماتريدية : أجمع أصحابنا على أن العوام مؤمنون عارفون بربهم ، وأنهم حشو الجنة كما جاءت به الأخبار ، وانعقد عليه الإجماع ، لكن منهم من قال : لا بد من نظر عقلي في العقائد ، وقد حصل لهم من القدر الكافي ، فإن فطرتهم جبلت على توحيد الصانع ، وقدمه ، وحدوث ما سواه من الموجودات ، وإن عجزوا عن التعبير باصطلاح المتكلمين .

هذا حاصل ما أجيب به عن الأشعري حتى قال بعض الأشاعرة عن الأشعري لا يكاد يكون في العوام مقلد . وعبارة ( شرح المقاصد ) ذهب كثير من العلماء ، وجميع الفقهاء إلى صحة إيمان المقلد ، وترتيب الأحكام عليه في الدنيا والآخرة ، ومنه الشيخ [ ص: 275 ] أبو الحسن ، والمعتزلة ، وكثير من المتكلمين ، احتج القائلون بالصحة بأن حقيقة الإيمان التصديق ، وقد وجدت من غير اقترانه بموجب من موجبات الكفر ، فإن قيل : لا يتصور التصديق بدون العلم لأنه إما ذاتي للتصديق أو شرط له ، ولا علم للمقلد لأنه اعتقاد جازم مطابق مستند إلى سبب من ضرورة أو استدلال ، فأجاب بأن المعتبر في التصديق هو اليقين ، أعني الاعتقاد الجازم المطابق بل ربما يكتفي بالمطابقة ، ويجعل الظن الغالب الذي لا يخطر معه النقيض بالبال في حكم اليقين . انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية