الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                477 حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي أخبرنا مروان بن محمد الدمشقي حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن عطية بن قيس عن قزعة عن أبي سعيد الخدري قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال ربنا لك الحمد ملء السماوات والأرض وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله : ( أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد ، وكلنا لك عبد ، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد ) أما قوله : ( أهل ) فمنصوب على النداء هذا هو المشهور ، وجوز بعضهم رفعه على تقدير أنت أهل الثناء ، والمختار النصب ، والثناء : الوصف الجميل والمدح ، والمجد : [ ص: 146 ] العظمة ونهاية الشرف ، هذا هو المشهور في الرواية في مسلم وغيره . قال القاضي عياض : ووقع في رواية ابن ماهان ( أهل الثناء والحمد ) وله وجه ، ولكن الصحيح المشهور الأول .

                                                                                                                وقوله : ( أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد ) هكذا هو في مسلم وغيره ( أحق ) بالألف ، ( وكلنا ) بالواو ، وأما ما وقع في كتب الفقه حق ما قال العبد كلنا بحذف الألف والواو فغير معروف من حيث الرواية وإن كان كلاما صحيحا ، وعلى الرواية المعروفة تقديره أحق قول العبد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت . . . إلى آخره واعترض بينهما ( وكلنا لك عبد ) ومثل هذا الاعتراض في القرآن قول الله تعالى : فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون اعترض قوله تعالى : وله الحمد في السماوات والأرض ، ومثله قوله تعالى : قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت على قراءة من قرأ وضعت بفتح العين وإسكان التاء ونظائره كثيرة ومنه قول الشاعر :

                                                                                                                ألم يأتيك والأنباء تنمي بما لاقت لبون بني زياد

                                                                                                                وقول الآخر :

                                                                                                                ألا هل أتاها والحوادث جمة     بأن امرأ القيس بن يملك يبقرا

                                                                                                                ونظائره كثيرة وإنما يعترض ما يعترض من هذا الباب للاهتمام به وارتباطه بالكلام السابق وتقديره هنا أحق قول العبد لا مانع لما أعطيت وكلنا لك عبد فينبغي لنا أن نقوله . وقد أوضحت هذه المسألة بشواهدها في آخر صفة الوضوء من شرح المهذب .

                                                                                                                وفي هذا الكلام دليل ظاهر على فضيلة هذا اللفظ فقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي لا ينطق عن الهوى أن هذا أحق ما قاله العبد فينبغي أن يحافظ عليه لأن كلنا عبد ولا نهمله وإنما كان أحق ما قاله العبد لما فيه من التفويض إلى الله تعالى ، والإذعان له والاعتراف بوحدانيته ، والتصريح بأنه لا حول ولا قوة إلا به ، وأن الخير والشر منه ، والحث على الزهادة في الدنيا والإقبال على الأعمال الصالحة .

                                                                                                                وقوله : ( ذا الجد ) المشهور فيه فتح الجيم هكذا ضبطه العلماء المتقدمون والمتأخرون .

                                                                                                                قال ابن عبد البر : ومنهم من رواه بالكسر ، وقال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري : هو بالفتح . قال : وقاله الشيباني بالكسر . قال : وهذا خلاف ما عرفه أهل النقل . قال : ولا يعلم من قال غيره وضعف الطبري ومن بعده الكسر ، قالوا : ومعناه على ضعفه الاجتهاد أي لا ينفع [ ص: 147 ] ذا الاجتهاد منك اجتهاده ، إنما ينفعه وينجيه رحمتك ، وقيل المراد ذا الجد والسعي التام في الحرص على الدنيا ، وقيل معناه الإسراع في الهرب أي لا ينفع ذا الإسراع في الهرب منك هربه فإنه في قبضتك وسلطانك ، والصحيح المشهور الجد بالفتح وهو الحظ والغنى والعظمة والسلطان ، أي لا ينفع ذا الحظ في الدنيا بالمال والولد والعظمة والسلطان منك حظه أي لا ينجيه حظه منك وإنما ينفعه وينجيه العمل الصالح ، كقوله تعالى : المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك والله تعالى أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية